مدخول أن المصدرية لفظا. وهذا يكفي من الناحية النحوية. فلا يتم مبنى المشهور.
رابعا : إنه بعد التنزل عما سبق يمكن أن نقول ـ كأطروحة ـ : إن أن المصدرية وما بعدها يسبك بمصدر يكون مبتدأ أو بمنزلة المبتدأ ، وما قبله خبر مقدم. كأنه قال : استغناؤه طغيانه. والخبر يمكن أن يكون جملة إلّا أن المبتدأ لا يصح أن يكون جملة ، فهو جملة نحويا ، إلّا أنه مفرد نظريا. وإنما تحدث بهذا الترتيب ليعطي صورة متحركة وعرفية واضحة.
سؤال : عن قوله : (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى). فإنه لا تكون الرجعى إليه حقيقة ، بعد ما ثبت في علم الكلام استحالة ذلك.
جوابه : يكون هذا على وجوه يتم بيانها بعد بيان مقدمة ، وهي أن نقول : قالوا : إن لكل فعل رد فعل ، وفي الشريعة لكل عصيان عقاب ولكل طاعة ثواب. وهو بمنزلة رد الفعل. وقالوا : إن هناك آيات في القرآن الكريم لها جواب ، أي أن هناك آية بمنزلة السؤال وآية بعدها بمنزلة الجواب. أو قل : بمنزلة المقدمة وبمنزلة النتيجة. أو قل : بمنزلة الفعل وبمنزلة رد الفعل.
وتطبيقها في المورد : أن الفعل هو : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) ، ورد الفعل هو : (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى).
والآن نذكر وجوه الجواب :
أولا : أن يكون المراد يوم القيامة ، كما هو المشهور.
ثانيا : أن يكون المراد أن الله تعالى يقوم بحسابه ، فكأنه واقف بين يديه وأمامه ، وإن لم يكن كذلك حقيقة. كما أن المصلي حينما يصلي فإنه يقف بين يدي الله. وهذا واضح في أذهان المتشرعة ، وعليه بعض الروايات ، مع العلم أن المقابلة المادية غير موجودة.
ثالثا : أن يكون المراد الإشارة إلى الكمال المطلق ، وهو هدف كل الموجودات وفيها شوق ارتكازي إليه. كما قال الفلاسفة العارفون.