الاستعاذة تكون من كلا هذين القسمين.
وجواب ذلك ، ولو كأطروحة احتمالية :
إننا قلنا : إن الوسواس هو حديث النفس. وهذا قرينة على أن من يقوم به هو الشيطان بالمعنى المعروف. فإن شياطين الإنس لا يوسوسون وإنما يتحدثون بكلام مسموع ، فلا يكون وسواسا. مضافا إلى أن الخناس هي صفة للشيطان وشياطين الإنس لا يخنسون. إذن فشياطين الإنس غير مقصودين من السورة بل لا بد ، بهذه القرائن المتصلة من حمل (الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) على الجن. لأن الشيطان (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)(١).
وهذا يدلنا على أن السياق ينفي ما قالوه من أن الشيطان يؤثر على الإنسان فقط. بل إنه يوسوس في صدور الناس الذين هم (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) فالجنّة والناس ليست صفة منقطعة للوسواس الخناس ، كما قال صاحب الميزان (٢) ، بل هي صفة متصلة للناس.
قال في هامش العكبري (٣) : إن إطلاق «الناس» على الجن غير مناسب ، وذلك لأن الجن إنما سموا بذلك لاختفائهم. وإنما سمي الناس ناسا لظهورهم ، وهذا تهافت.
وجواب ذلك : إننا لا نسمي الناس ناسا لظهورهم ، بل لكونهم أفرادا متعددين يشكلون طبقة أو مجتمعا أو نحو ذلك ، وهذا موجود في الجنّ والإنس معا ، على ما ينقل من صفاتهم. هذا أولا.
وثانيا : إن الاستعمال يمكن أن يكون مجازيا ، في إطلاق الناس على الجنّ ، بعد وجود قرائن سياقية عليه.
فإن قلت : إن الشيطان لا يوسوس في صدور الجن ، لأنه لا يناسب
__________________
(١) الكهف / ٥٠.
(٢) ج ٢٠ ص ٣٩٧.
(٣) ج ٢ ص ١٦١.