على أن المحكي عن أبي حنيفة عدم الرد نطقا وإشارة ، فلعل الأمر فيهما بالإخفات تقية منه وحفظا لأصحابهم عليهمالسلام من أصحابه ، فلا ريب في اقتضاء صناعة الفقه طرح الخبرين المزبورين ، أو حملهما على ما عرفت في مقابلة ما سمعت ، خصوصا ولم يعمل بظاهر هما أحد حتى المصنف ، لأنه قال بالجواز لا الوجوب كما هو ظاهر هما ، فهما شاذان معارضان بصحيح ابن مسلم وغيره من النصوص المعتضدة بفتاوى الأصحاب ، وبأصالة الشغل وغيره مما عرفت ، فوسوسة الأردبيلي رحمهالله في ذلك حتى في غير الصلاة قائلا : إنه لم يعثر لهم على دليل من إجماع أو غيره في غير محلها.
ولا فرق في وجوب الاسماع بين كون المسلم من وراء ستر وحائط وعدمه ، لإطلاق الأدلة المزبورة ، قال في التذكرة : « لو ناداه من وراء ستر أو حائط فقال :
السلام عليك أو كتب وسلم فيه أو أرسل رسولا فقال : سلم على فلان فبلغه الكتاب والرسالة قال بعض الشافعية : يجب عليه الجواب ، والوجه أنه إن سمع النداء وجب الجواب وإلا فلا » وهو جيد ، ضرورة عدم صدق التحية على الكتابة التي هي النقوش بل ولا على الرسالة التي هي نقل السلام لا الاستنابة من الرسول في التحية ، إذ الثانية لا ريب في أنها تحية بخلاف الأولى ، وخبر أبي كهمس (١) ـ « قلت للصادق عليهالسلام : عبد الله بن يعفور يقرؤك السلام فقال : عليك وعليه السلام إذا أتيت عبد الله فأقرأه السلام وقل له » ـ لا دلالة فيه على وجوب قول ذلك عند تبليغ الرسالة فضلا عن وجوب إرسال رد سلام له عوض سلامه ، نعم قال الصادق عليهالسلام في صحيح ابن سنان (٢) : « رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام ، والبادي بالسلام
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٣ وفي الوسائل « عبد الله بن أبى يعفور يقرؤك » إلخ وهو الصحيح.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ١ من كتاب الحج.