والبكاء من خشية الله الذي يكون العبد به في الرفيع الأعلى لا يشاركه أحد (١) وسئل الصادق عليهالسلام (٢) « عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكي قال : قرة عين والله ، وقال : إذا كان ذلك فاذكرني عنده » وقيل له عليهالسلام أيضا (٣) « أيتباكى الرجل في الصلاة؟ فقال : بخ بخ ولو مثل رأس الذباب ».
وأما الأولى فلا أجد فيه خلافا بينهم من غير فرق بين البكاء للفوات أو للطلب بل عن الميسية يبطلها البكاء على الميت وإن كان لصلاحه ، لكن في الحدائق « أن ظاهر كلام الأصحاب من حيث تعليقهم الإبطال بالأمور الدنيوية الذي هو أعم من أن يكون لفوتها أو لطلبها هو حصول الابطال بالبكاء لطلب ولد أو مال أو شفاء مريض أو نحو ذلك ، وهو مشكل لأنه مأمور به ومندوب إليه في الأخبار ، مع أن ظاهر الخبر الذي هو مستند الحكم إنما هو فواتها لا طلبها ، وحينئذ فالظاهر أنه لا تبطل بالبكاء لطلبها ، ولا يعارض ذلك بمفهوم صدر الخبر لدلالته على أنه ما لم يكن من الأمور الأخروية يكون مبطلا ، لأنا نقول مفهوم صدر الخبر أنه ما لم يكن كذلك ليس أفضل الأعمال ، وعدم كونه أفضل الأعمال لا يوجب البطلان » وفيه ـ مع أنه مخالف لظاهر الفتاوى باعترافه ـ أنه مخالف للنص أيضا بناء على ما سمعته سابقا من إرادة المثال بذكر الميت لكل ما لم يكن لجنة ونار ونحوهما من الأمور الأخروية ، فيشمل سائر الأمثلة السابقة ولا يختص بالفوات كما هو واضح بأدنى تأمل.
نعم الظاهر أنه يقع البكاء لشفاء مريض أو لطلب ولد ونحو ذلك من الأمور الأخروية فيما إذا بكى متقربا إلى الله ببكائه مثلا ثم إنه أراد من ثواب ذلك وجزائه
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ١٥ من كتاب الجهاد.
(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١ ـ ٥