وحدها صلى خلفه صف واحد. بدعوى أنّ لسان هذا النوع من الأخبار هو الاستحباب ، حيث يظهر منها أنّ أثر الإتيان بهما أو بأحدهما هو اقتداء صف من الملائكة أو صفين ، فغاية ما يترتب على تركهما بعد وضوح عدم وجوب الجماعة هو فقد الاقتداء المستوجب لقلة الثواب دون البطلان ، كما هو شأن صلاة المنفرد حيث لا خلل فيها ما عدا كون ثوابها أقل من الجماعة ، فكأنّه قيل في ذيل تلك النصوص هكذا : ومن صلى بلا إقامة لم يصلّ خلفه أحد من الملائكة. بل قد حكي التذييل بمضمون هذه العبارة عن بعض العامة ، فلأجل ذلك ترفع اليد عن ظهور النصوص المتقدمة في الوجوب وتحمل على الاستحباب. ولعل هذا الوجه أحسن ما استدل به لاستحباب الإقامة.
ويندفع : بجواز كون اقتداء صف من الملائكة من آثار الصلاة الصحيحة التي هي معراج المؤمن ، فإنّ استطراق هذا الاحتمال ممّا لا مساغ لإنكاره ، ولم يظهر من النصوص برهان على خلافه بحيث يدل على صحة الصلاة الخالية عن الإقامة لكي تصلح لرفع اليد بها عن النصوص المتقدمة ، بل الذي يبدو منها أنّ الاقتداء في الجملة إمّا بصف واحد من الملائكة أو الملكين اللذين عن يمين المصلي ويساره أو ملك واحد على اختلاف ألسنتها دخيل في الصحة ، وهو متوقف على الإقامة دون الأذان فيجب الإتيان بها.
والتذييل المذكور لا يمكن التعويل عليه بعد أن لم يكن مروياً من طرقنا ، بل الوارد من طرقنا الذي يؤيد ما استظهرناه ما حكاه الصدوق في ذيل ما رواه بإسناده عن العباس بن هلال عن الرضا عليهالسلام بقوله : « ... ثم قال : اغتنم الصفين » (١) حيث يظهر منه أنّ لزوم درك الصف الواحد مفروغ عنه ، والذي ينبغي اغتنامه هو الصفّان ، ومن ثم أكّد ونبّه عليه ، أمّا الأول فوضوح لزومه يغني عن التعرض له والتنبيه عليه.
__________________
(١) الوسائل ٥ : ٣٨١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤ ح ٤ ، الفقيه ١ : ١٨٦ / ٨٨٨.