وثالثاً : أنّ حمل النسيان على العمد بعيد غايته ، بل غريب جدّاً ، والقرينة المزعومة غير مسموعة ومن الجائز أن يراد من النهي عن العود شدّة المحافظة ورعاية الاهتمام كي لا يعرض النسيان.
رابعها : صحيحة زرارة قال : « سألت أبا جعفر عليهالسلام عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة ، قال : فليمض في صلاته فإنّما الأذان سنة » (١). فانّ المراد من الأذان ما يشمل الإقامة بقرينة الصدر ، والوصف بالسنة التي هي في مقابل الوجوب يكشف عن الاستحباب.
وفيه : أنّه مبني على تفسير السنة بما يقابل الواجب وهو غير واضح ، فإنّها كثيراً ما تطلق على ما يقابل الفريضة ، أي التي افترضها الله في كتابه ، فيراد بها ما سنة النبي صلىاللهعليهوآله كإطلاقها على الركعتين الأخيرتين والتشهد والقراءة مع أنّها واجبة. ومن الجائز أن يكون المقام من هذا القبيل.
خامسها : الإجماع المركب ، بدعوى أنّ الأصحاب بين قائل باستحباب الأذان والإقامة كما هو المشهور. وبين قائل بوجوبهما معاً كما عن جماعة. فالتفكيك بالمصير إلى استحباب الأوّل ووجوب الثاني قول بالفصل وخرق للإجماع المركب ولم يقل به أحد ، وأوّل من تمسك بهذا الإجماع في المقام العلامة في المختلف (٢) وتبعه جماعة ممّن تأخر عنه.
وفيه أوّلاً : أنّه لم يحرز انعقاد الإجماع التعبدي على الملازمة بين الأذان والإقامة في الوجوب والاستحباب بحيث يكون كاشفاً عن رأي المعصوم عليهالسلام ، كيف وقد استند كل من أرباب القولين إلى ما يستفيدونه من نصوص الباب وأخبار المقام ، فهو معلوم المدرك ، فلا بد إذن من النظر في نفس المدرك ومن الجائز أن يستفيد ثالث ما ينتج التفكيك فيدعي دلالة بعض الاخبار على استحباب الأذان ، والبعض الآخر على وجوب الإقامة ، والإجماع
__________________
(١) الوسائل ٥ : ٤٣٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ١.
(٢) المختلف ٢ : ١٣٨.