كل من الفقرتين جملة مستقلة برأسها ، وإنمّا يتجه في مثل قوله : اغتسل للجمعة والجنابة كما لا يخفى.
إذن فلا مانع من التفكيك بعد مساعدة الدليل حيث ثبتت من الخارج إرادة الاستحباب من الأمر ، ولم تثبت إرادة الكراهة من النهي ، فلا مناص من الأخذ بظاهره من التحريم.
ومنها : مرسلة الصدوق قال : « أتى رجل أمير المؤمنين عليهالسلام فقال : يا أمير المؤمنين والله إنّي لأُحبك ، فقال له : ولكني أُبغضك قال : ولم؟ قال : لأنّك تبغي في الأذان كسباً ، وتأخذ على تعليم القرآن أجراً » (١).
وهذا السند وإن كان ضعيفاً إلا أنّ الشيخ رواها بعينها مع فرق يسير غير ضائر بالمراد بسند معتبر عن زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عن علي عليهالسلام تعرّض لها صاحب الوسائل في الباب الثلاثين من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل (٢) فالسند تام.
وإنما الكلام في الدلالة ، فقد نوقش بأنّ ابتغاء الكسب يشمل الأذان بداعي الارتزاق من بيت المال الجائز بلا إشكال كارتزاق القاضي والوالي ونحوهما ممّا يعود إلى مصالح المسلمين ، فاذا لم يعمل بها في الارتزاق لم يعمل في غيره أيضاً ، لتضعيف دلالتها ووهنها بذلك.
وفيه : أنّها غير شاملة للارتزاق بتاتاً ضرورة أنّه لا يعدّ كسباً واتجاراً ، لتقوّمه بالمبادلة والمعاوضة ، والمرتزق من بيت مال المسلمين لا يأخذ الرزق في مقابل عمله ، وإنّما يبذل إليه من باب أنّ مصرفه حفظ مصالح المسلمين ، والمؤذّن كالقاضي والوالي من أحد المصارف.
وبالجملة : لا يطلق الكاسب على المرتزق المزبور بوجه يستوجب وهناً في الدلالة. إذن فلا قصور في هاتين الروايتين سنداً ولا دلالة ، ومقتضى إطلاقهما عدم الفرق بين الأذان الصلاتي والأذان الإعلامي ، فلا مناص من العمل بهما
__________________
(١) الوسائل ٥ : ٤٤٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٨ ح ٢ ، الفقيه ٣ : ١٠٩ / ٤٦١.
(٢) الوسائل ١٧ : ١٥٧ / أبواب ما يكتسب به ب ٣٠ ح ١ ، التهذيب ٦ : ٣٧٦ / ١٠٩٩.