حرمة الغصب ودليل الأجزاء والشرائط ، أعني ما دل على وجوب الإتيان بالصلاة قاراً مع الركوع والسجود ، لعدم قدرة المكلف على الجمع بين الامتثالين بعد فرض الضيق ، فإن الأوّل يقتضي الخروج ، والثاني يقتضي البقاء ولا يتيسّر الجمع ، ولكن حيث إن الخطاب بالصلاة تامة الأجزاء والشرائط سابق في الوجود على النهي عن الغصب ، لتحقق الأوّل بمجرّد دخول الوقت ، وعروض الثاني بعد رجوع المالك عن إذنه المفروض كونه في آخر الوقت وعند ضيقه ، ولا شك أنّ السبق الزماني من مرجحات باب التزاحم على ما هو المقرر في محله (١).
وعليه فيتقدم دليل الأجزاء والشرائط على دليل الغصب فيلغى الثاني ولا يعتنى برجوع المالك ، فيصلي صلاة المختار مقتصراً فيها على أقل الواجب مبادراً في أدائها ثم يخرج (٢).
هذا ، ولكنه كما ترى واضح الضعف ، فان السبق الزماني إنما يرجح به فيما إذا كانت القدرة معتبرة في كلا المتزاحمين شرعاً ، كما لو دار الأمر بين ترك الصوم في اليوم الأول من شهر رمضان أو الثاني ، وأما إذا كانت في أحدهما عقلية وفي الآخر شرعية كما في المقام ، حيث إنّ القدرة لم تعتبر في حرمة الغصب إلا من جهة حكم العقل بقبح خطاب العاجز ، وإلا فهي غير دخيلة في الملاك ، بخلاف الصلاة فإنها معتبرة في كل من أجزائها وشرائطها شرعاً ، كما يكشف عنه جعل البدل لكل منها لدى العجز ، فلا اعتبار حينئذ بالسبق الزماني بل الترجيح مع ما اعتبرت فيه القدرة عقلاً وإن كان بحسب الوجود متأخراً ، لكون التكليف فيه مطلقاً غير معلّق على شيء بخلاف الآخر فإنه مشروط بالقدرة ، والأول بوجوده سالب للقدرة ومانع عن فعليّة التكليف ، لكونه معجّزاً عنه ورافعاً لموضوعه فلا يزاحم التعليقي مع التنجيزي.
__________________
(١) راجع مصباح الأصول ٣ : ٣٦١.
(٢) الجواهر ٨ : ٢٩٦.