وبالجملة : القدرة العقلية بنفسها من المرجحات لدى المزاحمة بينها وبين القدرة الشرعية ، ولا مدخل للسبق الزماني حينئذ كما تقرر في الأُصول (١).
وعليه فالنهي عن الغصب الحادث بعد رجوع المالك بنفسه يقتضي العجز عن كل شرط أو جزء صلاتي مناف للخروج فيسقط ، لاشتراطه بالقدرة كما عرفت ، وينتقل إلى بدله إن كان وإلا فيقتصر على الصلاة الفاقدة له التي هي بدل عن الواجدة لدى عدم القدرة.
والذي يوضح ما ذكرناه من تقديم دليل الغصب : أنّا لو فرضنا أنّ المكلف كان قادراً على الصلاة تامة الأجزاء والشرائط فعرض ما يوجب اضطراره إلى ترك الاستقرار والسجود كالسير فراراً من العدوّ ، فرأى في طريقه مكاناً مغصوباً يتمكن فيه من الصلاة تامة الأجزاء والشرائط ، فدار أمره بين الغصب وبين الصلاة الاضطرارية ، فهل يمكن الالتزام بالأول بمجرد سبق الخطاب بالصلاة الاختيارية وحدوث النهي عن الغصب متأخراً.
أو لو فرضنا أنّ المكلف كان واجداً للماء المباح في أول الوقت فأريق فاضطر إلى التيمم ، وبعدئذ جاء مَن عنده الماء لكنه لم يرض بالتصرف فيه ، فدار أمره بين الأخذ منه غصباً والتوضي به ، وبين الطهارة الترابية ، فهل يصح القول بتقديم الأول والتصرف في الماء وعدم الاعتناء بنهي المالك لمجرد سبق الخطاب بالصلاة مع الطهارة المائية ، ولحوق التكليف بالنهي عن الغصب؟ لا نحتمل أن يلتزم الفقيه بشيء من ذلك ، وصاحب الجواهر أيضاً بنفسه لا يلتزم به قطعاً.
هذا كلّه فيما إذا كان الرجوع قبل الشروع.
وأما إذا كان في الأثناء ففي فرض الضيق يجري فيه ما مرّ آنفاً حرفاً بحرف وطابق النعل بالنعل ، لوقوع المزاحمة حينئذ بين دليل الغصب ودليل الأجزاء والشرائط ، غايته بقاء لا حدوثاً كما في سابقه ، فيتقدم الأول ، ويتم صلاته حال
__________________
(١) مصباح الأصول ٣ : ٣٥٨.