تشخيص المرادات ، فلا بدّ من النّظر في أنّ مرجع التعارض بينهما إلى مزاحمة الأوّل لنفس الدلالة التي يقتضيها اللفظ ، أو إلى مزاحمته لكون تلك الدلالة مرادة .
والقسم الأول إنّما يتصوّر في لفظ واحد ، ومثاله الحديث المتقدّم ، وهو قوله عليه السلام ( في خمس من الإبل شاة ) ، فإنّ أصالة عدم الاشتراك التي في لفظة ( في ) معارضة بأصالة عدم الإضمار فيها ، ولا ريب أنّ أصالة عدم الاشتراك مزاحمة لدلالة كلمة ( في ) على السببية .
والقسم الثاني مورده لفظان ، ومثاله قول المولى لعبده ( أكرم العلماء ) و ( لا تكرم زيداً ) ، فيتردّد لفظ ( زيد ) بين كونه مشتركاً بين العالم الفلاني المسمى به ، وبين غيره ، من غير أفراد العالم ، وبين اختصاص وضعه بزيد العالم ، فيلزم على الثاني تخصيص العلماء بغير زيد العالم ، بخلاف الأوّل ، فأصالة عدم التخصيص التي هي من الاصول الجارية في تشخيص المراد في لفظ ( العلماء ) معارضة بأصالة عدم الاشتراك في لفظ ( زيد ) ولا ريب أنّ أصالة عدم الاشتراك مزاحمة لكون زيد العالم مراداً من العلماء ، لا لدلالة العلماء على العموم ، إذ لا تنافي بين كون زيد متّحد المعنى ، وبين كون العلماء دالّاً على العموم بحسب الوضع .
فإذا عرفت هذا ، فاعلم أنّه إذا رجع التعارض إلى القسم الأوّل ، فلا شبهة أنّ الأصل في جانب الوضع مزيل للأصل في تشخيص المراد ، فإنّ الشك في المراد ـ حينئذ ـ مسبب عن الشك في دلالة اللفظ ، وأنّه ظاهر في ماذا ؟ فإذا جرى الأصل المشخّص له ، فلا يبقى للأصل الآخر مورد ، وإذا رجع إلى القسم الثاني ، فلا شبهة في أنّ الأصل المشخص للمراد قاهر على الأصل الجاري في تشخيص الظاهر ، ومزيل له بعكس السابق ، بناء على كون الاصول الجارية في تشخيص المرادات أمارات ، بأن يكون اعتبارها من باب الظنّ ، وكون الاصول الجارية في تشخيص الظواهر معتبرة من باب التعبّد العقلائي ، فإنَّ نسبة الاُولى إلى الثانية ـ حينئذ ـ من نسبة الدليل إلى الأصل ، ولا ريب أنّه ينتفي موضوع الأصل بالدليل .
وأمّا إذا قلنا : إنّ الثانية أيضاً
أمارات كالاُولى ، فيتكافأ الأصلان كتكافؤ سائر الأمارات ، وإنّما لم نذكر هذا التفصيل في القسم الأوّل ، لأنّ مرجع التعارض
فيه حقيقة إلى تعارض أصلين من الاصول الوضعيّة ، وأنّ الأصل المشخص ليس في عرض الأصل الآخر المعارض له المشخص للظهور ، بل إنّما هو مترتّب ومتفرّع على أصل