هذا ، وكيف كان ، فلا شبهة في رجحان التقييد على التخصيص في الصورتين الاُوليين ـ اعني صورة الدوران بينهما في خطابين أو في لفظين في خطاب ـ أما أولاً ، فلغلبة التقييد على التخصيص ، وأما ثانياً ، فلأن إطلاق المطلق على المختار إنما هو مقتضى الحكمة ، وعدم العثور ببيان بعض الأفراد ، وعموم العام بمقتضى الوضع ، فاذا كان العموم منهيّاً إلى الوضع ، فيكون بياناً لجميع الأفراد ، فحينئذ لا مورد ، ولا موضوع للاطلاق ، فالعموم وارد على الاطلاق ، فيجب التزام التقييد .
وهذا هو السر في تجويزهم التقييد حتى يبقى (١) فرد واحد ويؤيد ذلك كونه حقيقة في بعض الأفراد ، كما هو المختار ، وكونه موضوعاً للطبيعة المهملة دون التخصيص ، ومنعوا عن تخصيص الأكثر ، فيجب ـ على المثال الأول ـ تقييد الرجل بغير العالم ، وفي المثال الثاني تقييد العبد بغير الحبشي .
والحاصل : أنّ العام بالنسبة إلى المطلق من قبيل الدليل ، والأصل العملي ، كما أن إطلاق المطلق دليل في مقابل الاصول العملية ، نظراً إلى كون المقام مقام البيان ، فعدم التقييد دليل على عدمه .
وأما في الصورة الأخيرة ـ اعني فيما إذا كان الدوران في لفظ فالظاهر رجحان التخصيص ـ إذ بعد قيام الدليل على خروج بعض الأفراد من تحت العام بالنسبة إلى بعض الأحيان ، لا بد من الحكم بخروجه مطلقاً إذ المفروض عدم اعتبار الأزمنة قيداً للفرد بحيث يكون ذلك الفرد المخرج بالنسبة إلى هذا الجزء من الزمان فرداً من العام ، وبالنسبة إلى الزمان الآخر فرداً آخر ، بل الزمان مأخوذ بنحو الظرفية ، فالزمان ـ حينئذ ـ وإن طال ، فهو بطوله اعتبر أمراً واحداً ، ولم يلاحظ كونه مشخصاً للفرد بوجه بل اعتبر من باب اللابدية ، حيث إن الفعل لا بد له من زمان .
وكيف كان ، فالزمان غير منظور إليه بوجه في الفردية ، فلازم ذلك خروج الفرد المخرج عن تحت العام مطلقاً .
نعم لو ثبت اعتبار الزمان في الفردية يكون الفردية بالنسبة إلى كل زمان فرداً مغايراً له بالنسبة إلى الزمان الآخر ، إما بأن يكون اللفظ عامّاً بالوضع بالنسبة إلى الأزمان ، وأما بسبب القرينة ، فلا ريب أن خروج الفرد بالنسبة إلى بعض الأزمنة لا يستلزم خروجه بالنسبة إلى البعض الآخر ، فيحكم بدخوله في العام الافرادي بالنسبة
___________________________
(١) في الاصل ( حتّى بفرد واحد ) ولا محصّل له .