التهذيب (١) ، ومنهم السيد البحر في شرح (٢) الوافية ، ومنهم المحقق الشريف (٣) ، ومنهم الشيخ محمد (٤) تقي قدّس سرهم ، هؤلاء هم الذين ببالي من المصرحين على ما حكي عنهم ، وليتهم أبدلوا الاستصحاب بالغلبة ، وإنّما تمنّينا ذلك ، لأن الكناية أبلغ من التصريح ، وإن لا تحب المكَنّين فنصرح بأنّ الحق أنّ وجه اعتباره فيما نحن فيه ، إنما هي الغلبة لا غير ، وأنّ ما صاروا اليه مخدوش من وجوه :
الاول : أنّه لم يثبت بعد اعتبار الاستصحاب من باب العقل ، وإن استدلّ عليه غير واحد منهم بالعقل ، لكنه لم يعلم اتفاقهم على العمل به في الفقه من باب العقل .
الثاني : أنّه على تسليم اعتباره من باب العقل ، فلا ريب أنّه مبني على إفادة الظن شخصا ، كما يظهر اعتباره عن بعض ، كالبهائي قدس سره (٥) ، او نوعاً كما هو المشهور ، ولا يخفى أنّ كون الشيء مسبوقا بالعدم الأزلي لا يفيد الظن بالعدم بكلا قسميه ، ومع عدمه لا معنىٰ لتعبد العقلاء بالبناء على العدم السابق من دون آمر لهم على ذلك ، كما هو المفروض .
والحاصل : إن بناء العقلاء على شيء لا بدّ أن يكون إمّا لأجل حصول الظن به ، إذ حينئذ يصير راجحا عندهم ، فيأخذون بالراجح ، وإمّا لأجل أنّ آمراً أمرهم بذلك لا يمكنهم مخالفته ، وكلاهما مفقودان فيما نحن فيه ، أمّا الأول : فكما عرفت ، وأما الثاني : فبالفرض ، إذ المفروض اعتبار الاستصحاب من باب العقل وحده ، والعقل لا يأمر بشيء إلّا أنْ يكون راجحاً .
الثالث : إنا سلمنا أنّ وجه الاعتبار ، إنما هو البناء على الحالة السابقة ، وأنّ ملاحظتها تفيد الظّن النوعي ، لكن إفادتها ذلك ليست بنفسها وحدها ، بل بملاحظة
___________________________
(١) تهذيب الوصول في علم الاصول ، للعلامة الحلّي ( ره ) : ١٣ .
(٢) شرح الوافية للسيد بحر العلوم ( ره ) ـ المخطوط ـ .
(٣) ما عثرنا على كتابه إلى الآن وان كانت اقواله مذكورة في كتب الاصوليين .
(٤) هداية المسترشدين ( ٤٤ ) في العلامة التاسعة مِن علائم الحقيقة والمجاز .
(٥) زبدة الاصول للشيخ البهائي : في المطلب الرابع وفيه : المطلب الرابع في الاستصحاب ، وهو إثبات الحكم في الزمن الثاني تعويلا على ثبوته في الأول ، والأظهر أنه حجة وفاقا لاكثر اصحابنا خلافا للمرتضى رضي الله عنه والحنفيّة وأكثر المتكلمين ، لنا : ثبوت الحكم أوّلاً وعدم تحقّق ما يزيله فيظنّ بقاؤه .