وضع للفظ في غير المعنى المستعمل فيه مجازاً وتبعية المتكلم للوضع المذكور ، ثم ملاحظة العلاقة بين ما وضع له وبين هذا المعنى ، ولا ريب انه لم يثبت لتلك الألفاظ وضع لمعنىً آخر غير تلك المعاني ، لا من اللغة ولا من الشارع ، بل وضعه منحصر في تلك المعاني ، فلا يكون هنا معنيان : أحدهما ، الموضوع له والآخر غيره حتىٰ يستعمل اللفظ في الآخر بملاحظة العلاقة .
هذا ، مع أنه يلزم على هذا اتحاد المنقول منه والمنقول إليه وهو محال ، لأن الشرط في النقل هجر اللفظ من المنقول منه ، وهذا لا يمكن مع اتحاد المعنىٰ ، لاستلزامه التناقض ؛ فإنه إن كان تلك الاستعمالات توجب هجر اللفظ من هذا المعنىٰ ، فكيف يعقل معه كونها موجباً لحصول الاختصاص أيضاً ، مع أنه لا معنى لكون غلبة الاستعمال موجباً للهجر .
وأمّا إن كان الثّاني : فهو مبنيّ على كون معاني تلك الألفاظ من الماهيات المخترعة عند الشارع ، والظاهر أنه خلاف الإجماع وإن كان يوهمه عبارة الشّهيد الأوّل ( قدس سره ) في القواعد (١) .
وكيف كان ، فالظاهر بل المقطوع عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في تلك الألفاظ بوجه ، بل القدر الثابت بشهادة أمارات الوضع وضعها للصحيحة عرفاً ولغة ، ومع ثبوت ذلك يكفي في رد احتمال ثبوت الحقيقة الشرعية أصالة عدم النقل مع عدم قيام دليل قاطع بعد التنزل عن دعوىٰ الظهور ، او القطع بعدم ثبوتها .
ومن هنا ظهر ضعف احتمال أن يكون النزاع على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في تلك الألفاظ في المجاز الشايع عند الشارع ، لما عرفت من أن المجازية متوقفة على تصرف الشارع في تلك المعاني وجعلها غير ما كانت عليه بحسب اللغة والعرف ، وإلا لم يعقل المجازية في تلك المعاني مع بقائها بحالها ، لاتحاد المعنىٰ الموضوع له والمجازي ، وهو محال .
وقد عرفت فساد كونها من المخترعات عند الشارع أيضاً ، بل هي باقية عنده على ما كانت عليه لغة وعرفاً .
___________________________
(١) القواعد والفوائد ١ : ١٥٢ ، ١٥٣ .