ومما يكشف عن ذلك : اطباق علماء الإسلام طراً على جواز التمسك باطلاق هذه الألفاظ إذا وقعت في حيز الخطابات الشرعية ، مع أنه لو ثبت ماهية مخترعة عنده فلا بد من حمل اللفظ عليه سواء كان موضوعاً بازائها ، او لا ، فإن الظاهر من اختراعه وتصرفه في تلك المعاني إعراضه عن إرادة ما هو عند العرف واللغة ، فيكون قرينة صارفة عن المعنىٰ اللغوي او العرفي ، فحينئذ يحمل على أقرب المجازات وهو المجعول صحيحاً ، اللازم باطل الضرورة ، فالملزوم مثله .
نعم قد علم تصرف الشارع في بعض مصاديق تلك المعاني اللغوية والعرفية ، بنهيه عن ترتيب الأثر عليه ، لكنه لا يوجب التصرف في أصل المعنيٰ ، كما لا يوجب تخطئة اللغة ، والعرف في شؤون هذا المعنى معنى لذلك اللفظ ، او كون هذا الفرد المنهي عنه فرداً ، بل يوجب التصرف في منشأ صدق المعنى الكلي على هذا الفرد ، لما أشرنا إليه سابقاً من أن تأثير تلك الأفعال الخارجية التي هي جزئيات لمعاني تلك الألفاظ ـ المعبر عنها بالصحيحة ـ ليس من حيث كونها عللاً عقلية ، بل إنما هو بحسب الاعتبار ، فلذا يختلف اتصافها بالصحة باعتبار المعتبرين وحكم الحكام ، ويختلف بذلك صدق المفاهيم الكلية عليها ، فإذا فرضنا أن فرداً من البيع مثلاً كان الناس قبل عثورهم على الشرع او تدينهم به ملتزمين بترتيب أثر النقل والانتقال عليه ، فلا ريب حينئذ في صحة اطلاق البيع الموضوع للصحيح عليه حينئذ بهذا الاعتبار حقيقة ، ثم لو فرض نهي الشارع عن ترتيب الأثر المذكور على هذا الفرد ، فهو موجب لإخراج هذا الفرد عن المفهوم الكلي بحكم الشارع ، حيث أن منشأ صدق صدقه انما هو [ كونه ] (١) من مقولة الحكم ، فبنهي الشارع يزول هذا المنشأ عنه بالنظر إلى الشارع وإلى تابعيه ، وأما بالنظر إلى العرف الغير التابعين ، الملتزمين بترتيب الأثر عليه ، فهو من مصداقه .
وكيف كان ، فلفظ البيع والصّلح وغيرهما من العقود ، ولفظ الطّلاق وغيره من ألفاظ الإيقاعات ، نظير لفظ المال والزوجة والملك ؛ فإن لفظي المال والملك كما أنهما موضوعان لما يختص بالإنسان مع كونه مما يبذل الثمن بإزائه ، ولا ريب أن الاختصاص المأخوذ في مفهومهما ليس مما يقتضيه ذات المال ، ولا مما
___________________________
(١) زيادة يقتضيها السياق .