ثم إنه أورد سلطان المحققين على صاحب المعالم ـ حيث جعل المرتجل والمنقول من أقسام المجاز (١) ـ بوجهين :
الأول : إنّ ذلك خلاف تصريح القوم ، بأنهما من المعاني الحقيقيّة الموضوع لها الألفاظ .
الثاني : إنّ استعمال المرتجل حينئذ ـ غير صحيح ، لأن الاستعمال الصحيح ناشئ : إمَا عن الوضع ، فالمفروض اختصاصه بالمعنى الأوّل الموضوع له اللفظ أولاً ، ولا وضع للفظ في ذلك المعنى المرتجل له بالفرض ، حتى يجوز الاستعمال لأجله . وإمّا عن ملاحظة المناسبة فالمسلم المعروف اعتبار عدمها في المرتجل ، حتى أن بعضهم اعتبروا عدم وجود المناسبة رأساً ، فيكون الاستعمال حينئذ غلطاً (٢) .
ويمكن الجواب عن الوجهين ، بأنّ مراد صاحب المعالم من اختصاص الوضع بواحدٍ ، هو الوضع التخصيصي الذي هو فعل الواضع ، كما هو الظاهر من الوضع عند الإطلاق لا مطلقاً ، حتى التخصص ، بل استعماله فيه مجاز باعتبار بعض العلائق بينه وبين التخصيصي ، فإن الوضع التخصصي إنّما هو مجرد العلقة الحاصلة من كثرة الاستعمالات المجازية بغير قرينة متصلة ، والظاهر من الوضع هو فعل الواضع الذي يصير سببا للعلقة بين هذا اللفظ وذلك المعنى ، فكأن العلاقة في التعييني هي السببية والمسبّبية ، والوضع التخصيصي وإن كان يوجد في بعض أفراد المنقول ، إلا أنّ الغالب فيه هو التخصص ، فجمعه ـ رحمه الله ـ المنقول والمرتجل ، والحقيقة والمجاز ، في حقيقة واحدة لاشتراكهما معه في اختصاص الوضع التخصيصي بواحد منهما أيضاً نظراً إلى الغالب فيهما ، لا لعدّه إياهما مجازاً ، ولا ريب أن الحقيقة لا تستلزم الوضع التعييني بل ظاهر قوله ـ رحمه الله ـ أو صريحه وَإن غلب كون المنقول حقيقة ، لأنّ المراد بالغلبة باعترافه ـ رحمه الله ـ هو هجر المعنى الأوّل ، ومن الواضح أنّ هجر الأوّل يستلزم اختصاص اللفظ بالثاني .
هذا ، لكن الانصاف أن هذا الجواب لا يدفع السؤال عنه ـ رحمه الله ـ بالنسبة إلى
___________________________
(١) المعالم : ٦ .
(٢) حاشية سلطان المحققين منضمةً الى حاشية ملا صالح المازندراني : في مبحث الالفاظ ، وانظر المعالم : ٢٦ عند قول المصنّف : وان غلب وكان الاستعمال بالمناسبة فهو المنقول : أقول الظاهر من كلامه انّه لا وضع في المعني المنقول اليه والمرتجل الخ .