وكون لفظة العالم خالية من كل معنى سوى كونها علامة على ذلك ، وحاصل ذلك هو جعل القيد والمقيد من قبيل وحدة المدلول وتعدد الدّال ، وهذا غير معقول بالنسبة إلى الدلالة التصورية ، إذ لا يكون ذلك إلا من قبيل تعدد الدال والمدلول.
ثم لو صحّ ذلك في ناحية المتكلم فهو لا يصحّ بالنسبة إلى السامع ، إذ لا ريب في أنه عند سماعه هذه الجملة ووصول المتكلم إلى لفظة رجل قبل أن يلحقه بلفظة العالم ، لا يفهم من لفظ الرجل ولا يحضر في ذهنه إلا نفس معنى الرجل معرّى عن الاطلاق والتقييد ، ثم بعد سماع لفظة العالم يطرأ التقييد على ذلك الحاضر في ذهنه ، وهكذا الحال في الحروف فيما لو قال : السير من البصرة حسن ، من دون فرق في ذلك بين كون معنى لفظة « من » إيجاديا أو كونه من قبيل الحكاية. ومنه يظهر لك الجواب عمّا قرره عن درسه المقرّر (١) ، فلاحظ وتدبر.
والخلاصة : أن القيود إنما تتصرف في الدلالة التصديقية ولا دخل لها بالدلالة التصورية. ومنه يظهر لك [ الحال ](٢) في مقدمات الحكمة فانها إنما تتصرف في ذلك المقام أعني مقام الدلالة التصديقية ، وحاصل مفاد القيد أو مفاد الاطلاق ومقدمات الحكمة هو أنّ الذي يريده المتكلم من هذا المعنى الذي أحضره اللفظ في ذهن السامع هو خصوص الواجد للقيد الفلاني ، أو أن مراده هو المطلق الجامع بين الفاقد والواجد ، فلاحظ وتأمل.
ومن هذا الذي حررناه من الفرق بين الدلالة التصورية والدلالة التصديقية يظهر التأمل فيما ربما يقال من أنّ الكلام اللفظي إبراز لما في
__________________
(١) بدائع الأفكار : ٤٣ ـ ٤٤.
(٢) [ لم يوجد في الأصل ، وإنما أضفناه للمناسبة ].