ادعي قيام الإجماع عليها وانّه ناشئ عن الاستحسان هي من هذا القبيل ، إذ من المتعذّر عادة إحراز انّ المنشأ من تبني كل فرد أو عالم من الامة لهذا الحكم هو الاستحسان ، وعدم وجود ما يبرّر الإجماع من نص لا يقتضي تعين المدرك في الاستحسان فلعلّ المدرك هو السيرة العقلائية أو المتشرعية ، ولعلّ المناشئ مختلفة فكل فريق نشأ تبنيه للحكم عن مدرك غير الذي نشأ عنه تبني الفريق الآخر فيتكون الإجماع ولكن بمناشئ مختلفة.
هذا بالإضافة الى عدم تمامية دعوى إجماع الأمة على حجية الاستحسان ، فإنّ هذه الدعوى منقوضة بمذهب الامامية حيث يبنون جميعا على عدم حجيته وكذلك الظاهرية والشافعية.
وبهذا يتضح سقوط تمام الأدلة التي استدلّ بها على حجية الاستحسان ، وهو كاف لسقوطه عن الحجية من غير حاجة لإثبات ذلك ، فإن الأدلة الظنية التي لم يقم الدليل القطعي على حجيتها باقية على الأصل وهو عدم الحجية. لقوله تعالى ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (١٥).
* * *
٥١ ـ الاستصحاب
الظاهر انّه لم يرد عنوان الاستصحاب في شيء من ألسنة الروايات التي استدل بها على حجية الاستصحاب ، وانّما نشأ هذا العنوان عن التناسب بين ما تعطيه كلمة الاستصحاب بحسب مدلولها اللغوي وبين ما تقتضيه أدلته.
فالاستصحاب بحسب مدلوله اللغوي معناه اتخاذ شيء مصاحبا ومرافقا وملازما وهو في مقابل مجانية الشيء ومفارقته ، وهذا المعنى يتناسب مع ما يقتضيه الاستصحاب بحسب المصطلح الاصولي ، حيث يقتضي