حال المخبر في أنّه يخبر عن حسّ لا عن حدس ، لأنّ الخبر الحدسي اجتهاد وإعمال للنظر وهو غير حجّة إلاّ على المجتهد نفسه ومقلّديه.
والمراد من الخبر الحسّي هو الذي تلقّاه المخبر بواسطة واحد من مدركاته الحسّيّة. فحينما يخبر عن موت زيد فإنّ خبره لا يكون حسّيّا إلاّ أن يكون قد رأى بنفسه موت زيد أو سمع ممّن رأى ، أمّا لو سمع بكاء في بيت زيد فحدس أنّه قد مات ، فلو أخبر بعدئذ عن موته اعتمادا على ذلك فإنّ خبره يكون حدسيّا.
ومع اتّضاح المراد من الخبر الحسّي نقول : إنّه لو وقع الشكّ في خبر مخبر وأنّه أخبر به عن حسّ أو أخبر به عن حدس فإنّ أصالة الحسّ في الإخبارات تقتضي البناء على حسيّة الخبر. وإلغاء احتمال الحدس.
فأصالة الحسّ تعني البناء على ظهور حال المخبر في أنّ ما أخبر به كان عن حسّ ، وهو بناء عقلائي يلجأ إليه العقلاء حين الشكّ في حدسيّة الخبر إلاّ أنّ اعتماد هذا الأصل عند العقلاء منوط بشروط ثلاثة :
الشرط الأوّل : أن لا تكون ثمّة قرينة على أنّ المخبر يخبر عن حدس.
الشرط الثاني : أن يكون مضمون الخبر ممّا يمكن تحصيله بواسطة الحسّ ، أمّا إذا لم يكن كذلك فإنّ أصالة الحسّ لا تجري في مورده.
فمثلا : لو أخبر الفلكي أنّ الهلال ولد في ساعة كذا فإنّ مضمون هذا الخبر لا يمكن تحصيله بواسطة الحسّ فلا يجري فيه الأصل بخلاف ما لو أخبر بدخول الشهر القمري فإنّ من المحتمل أن يكون إخباره عن حسّ ، وإنّه رأى الهلال فأخبر بدخول الشهر. وحينئذ لوقع الشكّ في أنّ إخباره كان عن حدس أو حسّ فإنّه يصحّ اللجوء لأصالة الحسّ فيتنقّح بذلك موضوع حجّيّة خبر الثقة.