فهذا ما ينقح عدم الدليل وهو دليل العدم.
والمراد من أنّه دليل العدم هو انّه دليل على عدم مسئولية المكلّف عن التكليف الواقعي الثابت في نفس الأمر وهو معنى آخر للبراءة العقلية والتي هي حكم ظاهري مجعول في ظرف الجهل بالحكم الواقعي ، وليس المراد من دليل العدم هو عدم وجود حكم شرعي في الواقع ، إذ انّ ذلك مناف لما عليه الإمامية قاطبة من البناء على انّه ما من واقعة إلاّ ولها حكم واقعي يصيبه المجتهد أو يخطأه.
وكيف كان فهذا التعبير يوضح انّ البراءة عندهم من الأدلة العقلية القطعيّة إلاّ انّ موضوعها الذي يترتّب عليه جريانها هو عدم وجدان الدليل المحرز للحكم الواقعي.
ثم في مرحلة متأخرة عن المرحلة الآنفة الذكر صنفت البراءة وكذلك الاستصحاب في الامارات الظنية التي قام الدليل القطعي على حجيتها ، وتميز في هذه المرحلة الاستصحاب عن البراءة ، وهذا ما يتضح بملاحظة عبائر صاحب المعالم رحمهالله حيث صرّح بأنّ أصالة البراءة من الأدلة الظنية ، ومقصوده التي قام الدليل القطعي على حجيتها.
ثمّ انّ المرحلة التي تلت صاحب المعالم والشيخ البهائي رحمهما الله تبلور فيها الاصل العملي بشكل أكثر مما عليه قبل هذه المرحلة وان الاصل العملي لا يعدو عن كونه وظيفة عملية. ولعلّ أول من تنبّه لذلك ـ كما أفاد الشيخ الانصاري رحمهالله ـ هو صاحب شرح الوافية وهو السيد جمال الدين رحمهالله.
ثم انّ مفهوم الاصل العملي أخذ في التبلور بشكل أدق وشبه متكامل في عصر الشيخ الوحيد البهبهاني رحمهالله حيث بلغ علم الاصول عموما في عصره مستوى ناضجا جدا ، وكان من رواد مدرسة الوحيد البهبهاني رحمهالله