فالشك المسبوق بالعلم مثلا هو مورد الاستصحاب وقد نزّل ـ كما هو المستفاد من لسان دليله ـ منزلة العلم من حيث الكاشفية عن الواقع ، فكما انّ العلم محرز للواقع فكذلك مورد الاصل محرز للواقع تنزيلا.
وهنا تقريب آخر للأصل العملي المحرز أفاده السيد الصدر رحمهالله وحاصله : انّ الاصل العملي المحرز تارة يكون مجعولا بلحاظ أهمية المحتمل واخرى يكون مجعولا بلحاظ أهمية المحتمل بالإضافة الى قوة الاحتمال والثاني هو الأصل المحرز دون الاول.
وبيان ذلك : انّ في الواقع ونفس الامر مجموعة من الملاكات يقتضي بعضها الحرمة ويقتضي بعضها الوجوب ويقتضي البعض الآخر الترخيص ، ويكون التحفظ عليها جميعا غير ميسور لافتراض جهل المكلّف بها ، وليس من وسيلة للتعرف عليها. فهنا يوازن المولى بين هذه الملاكات ويجعل الأصل على ما هو الأهم ملاكا ، فحينما يكون الاهم ملاكا مقتضيا للترخيص فإنّ المولى يجعل الاصل مطابقا لما يقتضيه الترخيص.
وباتضاح ذلك نقول : انّه تارة يكون مصبّ نظر المولى عند جعل الأصل هو التحفظ على الملاك الأهم من هذه الملاكات المختلطة على المكلّف فالاصل في هذا الفرض غير محرز ، وتارة يكون نظره حين جعل الأصل الى أمرين ، الاول هو أهمية الملاك على سائر الملاكات ، والثاني هو كاشفية مورد الأصل عن الواقع بنحو ما ، فهذا النحو من الاصل فيه جنبتان اقتضتا جعله من قبل المولى ، الجنبة الاولى هي التحفظ على الملاك الأهم ، والثانية انه له نحو كشف عن الواقع ، والاولى يعبّر عنها بأهمية المحتمل ، والثانية يعبّر عنها بقوة الاحتمال ، وكل أصل يتوفر على هاتين الحيثيتين فهو أصل محرز.