وبما ذكرناه يتّضح أنّ الأمر الانتزاعي هو كلّ عنوان تمّ تحصيله واستنباطه من ملاحظة العقل للوجودات العينيّة أو الاعتباريّة ، مثلا : حينما يلاحظ العقل الترتّب بين وجود النار والاحتراق بحيث يكون وجود الآخر مترتّبا على وجود الأوّل فإنّ العقل ينتزع من ذلك عنواني العليّة والمعلوليّة ، وهما ـ كما تلاحظون ـ ليس لهما ما بإزاء ما في الخارج يمكن أن يشار إليه ، والموجود خارجا ليس سوى النار والاحتراق. فالموجود هو منشأ الانتزاع وهما النار والاحتراق ، وأمّا الأمر الانتزاعي فهو عنوان استنبطه الذهن من ملاحظة الوجود العيني في المثال.
وهكذا الحال بالنسبة لعنوان الفوقيّة والتحتيّة والقبليّة والبعديّة فإنّها جميعا عناوين انتزاعيّة استنبطها الذهن من ملاحظة نحو العلاقة بين شيئين.
هذا فيما يتّصل بالانتزاع عن الوجودات العينيّة ، وأمّا الانتزاع عن الأمور الاعتباريّة ـ والتي هي نحو من الوجود أيضا إلاّ أنّ وعاءها هو عالم الاعتبار ـ فيمكن التمثيل لذلك بما لو اعتبر المولى الزوجيّة مترتّبة عن العقد ، فإنّ العقل ينتزع من ملاحظة ذلك عنوان السببيّة أي أنّ العقد سبب لاعتبار الزوجيّة.
وهكذا لو قال المولى ( إذا استطعت وجب عليك الحجّ ) فإنّ العقل ينتزع عن ذلك عنوان الشرطيّة أي أنّ الاستطاعة شرط في اعتبار الحجّ واجبا. وكذلك لو قال المولى ( لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه ) فإنّ العقل ينتزع عنوان المانعيّة أي مانعيّة اشتمال المكلّف على جلد ممّا لا يؤكل لحمه لصحّة الصلاة.
فالسببيّة والشرطيّة والمانعيّة ليس لها وجود وتقرّر في عالم الاعتبار والموجود إنّما هو منشأ انتزاعها ،