والنور المفاض عن الله تعالى على المؤمنين وتعجيل الخير بدلا عن تأخيره وتأخير العذاب بدلا عن تعجيله كلها مظاهر للقدرة الالهية والتي هي مكنونة في مخزون علمه ، غايته انّ حكمته اقتضت التعجيل أو التأخير أو التعليق.
فالتعبير عن ذلك بالبداء نشأ عن انّه تعالى يظهر مشيئته لعباده فيظهر لهم ما كان خفيا عنهم ، فقد يعدهم بالنصر فيؤخره عنهم لأنّ مشيئته اقتضت تعليق النصر على التوكل على الله ، فلمّا خلت نفوسهم عنه أخّر النصر عنهم ، فتظهر لهم مشيئته في التأخير بعد ان لم تكن ظاهرة لهم لوعده ايّاهم بالنصر ، وهذا لا يستلزم الكذب لانّه علّق وعده بالنصر على التوكل وهم قد خلو منه وقد لا يصرّح بالمعلّق عليه لمصلحة اقتضتها حكمته البالغة.
ويعبّر عن هذا النحو من القضاء ـ في تمام الموارد التي ذكرناها ـ بالقضاء غير المحتوم وبالقضاء الموقوف ، وهو المقصود من لوح المحو والإثبات المستفاد من الآية الكريمة ( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) (١٣).
وقد دلّت على البداء بهذا المعنى روايات كثيرة من طرقنا :
منها : ما عن علي بن ابراهيم في تفسيره عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « اذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة الى سماء الدنيا فيكتبون ما يكون من قضاء الله تعالى في تلك السنة ، فإذا أراد الله ان يقدّم شيئا أو يؤخره أو ينقص شيئا أمر الملك ان يمحو ما يشاء ثم أثبت الذي أراده ، قلت : وكل شيء هو عند الله مثبت في كتاب الله ، قال : نعم ، قلت : فأي شيء يكون بعده ، قال : سبحان الله ثم يحدث الله أيضا ما يشاء تبارك وتعالى » (١٤).
ومنها : ما عن علي بن ابراهيم