على انّ هذا الاستعمال لسنا مختصين به بل ذكر في روايات السنة أيضا ، فقد نقل البخاري في صحيحه باسناده عن أبي عمرة انّ أبا هريرة حدّثه انّه سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول « انّ ثلاثة في بني اسرائيل أبرص وأعمى وأقرع بدا لله عزّ وجل أن يبتليهم ... » (٣).
وكيف كان فالمراد من البداء هو انّ المشيئة الالهيّة اقتضت تدبير بعض الامور على أساس القابلية للتغيّر أو التقديم والتأخير وربط بعض المقدرات باخرى بنحو التعليق ، على انّه تعالى مطلع من الأزل على المتقدم منها من المتأخر وعلى انّ المعلّق منها هل سيتم لتحقق المعلّق عليه أو انّه لن يتم لأنّ المعلّق عليه لن يتحقق.
فالمحو والإثبات والتغيير والتأخير والتقديم والتعليق لا يتنافى مع علمه بما ستصير اليه الامور ، وانّما اقتضت حكمته وشاءت إرادته تدبير خلقه بهذا النحو من التدبير « لا يسأل عمّا يفعل ».
وقد دلّت على هذا النحو من المشيئة آيات كثيرة ، منها قوله تعالى : ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ) (٤) ، ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ ) (٥) ، ( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) (٦) ، ( إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ ) (٧) ، ( فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ ) (٨) ، ( اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ) (٩) ، ( مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ) (١٠) ، ( وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ ) (١١) ، ( وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ ) (١٢).
فالبركات المنفتحة عن السماء والنصر الذي يؤيد الله به أنصاره