تقتضي الإباحة أو البراءة الشرعية.
وحتى يتجلّى مبنى الشيخ المفيد والشيخ الطوسي رحمهما الله نقول : انّه نشأ عن خلاف بين علماء الاصول والذين يبنون على التحسين والتقبيح العقليين ، فهم يذهبون الى انّ الفعل اذا كان حسنه تاما ـ بنظر العقل ـ فحكمه الشرعي هو الوجوب ، أما اذا كانت مرتبة الحسن فيه ضعيفة فإنّ حكمه الاستحباب الشرعي ، وهذا بخلاف ما لو كان الفعل قبيحا ـ بنظر العقل ـ وكان قبحه شديدا فإنّ حكمه لا محالة يكون الحرمة ، ولو كان القبح ضعيفا فإنّ حكمه الكراهة.
وهذه الحالات لا إشكال في إدراك العقل لأحكامها والخلاف انّما هو في حالة يكون العقل فيها غير مدرك لما عليه الفعل وهل هو ذو مصلحة أو هو ذو مفسدة. وهنا اختلف العلماء فيما يحكم به العقل وهل هو القبح المساوق للحظر أو هو عدم القبح المساوق للإباحة. والشيخ المفيد وكذلك الشيخ الطوسي قالا بالتوقف وعدم إدراك العقل لواحد منهما.
والمتحصّل انّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان لم يكن لها ذكر في تلك الحقبة ، وبعد مائة عام من هذه الحقبة جاء الشيخ ابن زهرة رحمهالله وبنى على حكم العقل بالبراءة إلاّ انّه لم يكن يقصد من حكم العقل بالبراءة هو قاعدة قبح العقاب بلا بيان بل هو قاعدة قبح التكليف بما لا يطاق ، وهي لا تتصل بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، إذ التكليف بلا بيان ليس من التكليف بما لا يطاق بعد ان كان التكليف غير المعلوم مما يمكن امتثاله بواسطة الاحتياط المعبّر عنه بالامتثال الإجمالي.
والشيخ الأنصاري رحمهالله يفهم من كلام ابن زهرة رحمهالله انّ التكليف بقصد الامتثال إذا لم يكن معلوما تكليف بما لا يطاق ، إذ انّه لا يمكن قصد الامتثال