يتم العثور عليه خلف ما افترضناه من انّ الفقيه يحصل له الجزم بعدم الدليل بعد الفحص والتنقيب في الأدلة.
وهنا تمسك المحقق رحمهالله بقاعدة قبح التكليف بما لا يطاق في دائرة أضيق من الدائرة التي تمسك ابن زهرة رحمهالله بالقاعدة في موردها ، حيث انّ المحقق الحلّي رحمهالله يرى انّ الرجوع لهذه القاعدة انما هو في حالة الجزم بعدم الدليل ، وأما الشيخ ابن زهرة رحمهالله فافترض انّ جريان هذه القاعدة يتم في حالة عدم العلم بوجود دليل يثبت الحكم المشكوك حتى لو كنا نحتمل دليل لم يتيسر لنا الاطلاع عليه. وعلى أيّ حال فلا صلة لما أفاده المحقق الحلّي بقاعدة قبح العقاب بلا بيان.
ثم انّه تلت هذه المرحلة مرحلة اخرى بنى فيها الاصوليون على انّ البراءة من الأدلة الظنية ، وذلك لانها مستفادة من الاستصحاب ، وحجية الاستصحاب انّما هي لافادته الظن ببقاء الحالة السابقة. وبتعبير أدق : انّ الحالة السابقة كاشف ظني على البقاء في ظرف الشك.
وتلاحظون انّ ذلك عدول عما كانت عليه المرحلة السابقة من اعتبار البراءة من الأدلة القطعية ، وكيف كان فقد شاع هذا المبنى في زمن الشيخ صاحب المعالم والشيخ البهائي رحمهما الله ولم ينقل عن أحدهم البناء في حجية البراءة على قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
فأول من استدلّ بهذه القاعدة على البراءة هو الشيخ الوحيد البهبهاني رحمهالله إلاّ انّها لم تكن متبلورة بالشكل الذي هي عليه الآن ، فإنّ الإتجاه في فهم هذه القاعدة كان يبدو اتجاه لغويا ، ولهذا وقع التشكيك في اطلاق هذه القاعدة وعدم اطلاقها كما استشكل جمع من المحققين في امكان التمسك بالقاعدة في الشبهات المفهومية كما في قوله تعالى ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (٢٠) فإنّ مفهوم الكعب دائر