فالأخباريون وان كانوا يبنون على جريان البراءة الشرعية ـ بل وكذلك العقلية كما هو الظاهر ـ في الشبهات الوجوبية إلا انهم يختلفون عن المشهور في الشبهات التحريمية حيث يدعون انّ الأدلة من الآيات والروايات تثبت لزوم مراعاة الاحتياط في خصوص الشبهات الحكمية التحريمية ، وهذا هو منشأ التعبير عن هذا الاحتياط بالشرعي ، ولذلك ادعى السيد الخوئي رحمهالله وهو المستظهر من كلمات الشيخ الانصاري بل وسائر الاصوليين انّ النزاع بين الاخباريين والاصوليين في المقام صغروي وان كانت كبرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان مسلمة عند الجميع.
فالنزاع انما هو في صلاحية أدلة الاحتياط لرفع موضوع البراءة العقلية وعدم صلاحيتها لذلك ، فالأخباريون يقولون : انّ البراءة العقلية انّما تجري مع عدم البيان وأدلة الاحتياط في الشبهات التحريمية بيان فلا موضوع لأصالة البراءة العقلية.
وأما الاصوليون فحيث ادعوا انّ أدلة الاحتياط غير تامة إما من جهة السند أو من جهة الدلالة فلا موجب لانتفاء موضوع أصالة البراءة العقلية ، فلا فرق بين الشك في الوجوب « الشبهة الوجوبية » أو الشك في الحرمة « الشبهة التحريمية » من جهة انهما جميعا مجرى لاصالة البراءة العقلية وكذلك الشرعية.
أقول : يمكن دعوى انّ الخلاف بين الاصوليين والاخباريين في المقام كبروي ولكن في خصوص البراءة الشرعية ، وذلك حينما نفترض انّ الإخباريين يرون انّ موضوع أدلة البراءة الشرعيّة في الشبهات التحريميّة هو عينه موضوع الاحتياط الشرعي في الشبهات التحريميّة ، فمنشأ الاختلاف هو دعوى التعارض بين الأدلة وترجيح أدلة الاحتياط