صدق الاختيار علم المكلف اجمالا بعنوان الفعل الصادر عنه ولا يلزم ان يكون عالما بحقيقة العنوان وبحدّه التام بل ولا برسمه ، فلو كان المكلف يعلم بخمرية هذا السائل ـ إلا انه يجهل ماهيته وممّ يتركب وما هي مضاعفاته ـ فإنّ ذلك كاف في صدق الاختيار عند اقدامه على شربه ، فلا يلزم العلم بتفاصيل العنوان كما هي دعوى الاشعري ، حيث استدل على عدم اختيارية ما يصدر عن المكلّف بدعوى تقوّم الاختيار بالعلم بتفاصيل عنوان الفعل الصادر وهذا لا يتفق لأحد ، فالنتيجة انّ صدور الأفعال عن المكلّفين ليس اختياريا.
ولا تخفى سماجة هذا الدليل لمنافاته للوجدان القطعي القاضي بكفاية العلم بالمميّز لعنوان الفعل الصادر عن سائر العناوين ، وهذا لا يستوجب أكثر من العلم اجمالا بعنوان الفعل الصادر ، فهذا المقدار هو الذي يقضي العقل باستحقاق فاعله للمدح أو الذم.
المقوّم الثالث : القدرة على الفعل الصادر عنه ، ولا تكون ثمة قدرة على فعل حتى تكون هناك قدرة على تركه ، ولهذا قالوا انّ القدرة تعني انّ له ان يفعل وله ان لا يفعل اما لو كان صدور الفعل عنه حتميا فإنّه لا يكون قادرا عليه لعدم قدرته على تركه.
المقوّم الرابع : وجود مرتبة من الرضا والرغبة في الفعل الصادر عن اختيار فلا يكون الفعل اختياريا لو تجرّد عن الرضا بتمام مراتبه ، فلو الجأ المكلّف على ايجاد فعل لم يكن له أدنى رغبة في صدوره عنه بحيث أصبح بمثابة الأداة فإنّ الفعل الصادر عنه لا يكون عندئذ اختياريا.
وبهذا يتضح انّ صدور الفعل في ظرف الإكراه وكذلك في ظرف الاضطرار ـ بالمعنى الذي ذكرناه هنا ـ يكون من قبيل الافعال الاختيارية ،