الذهن ابتداء وان تجردت عن كل مركب ، فالمفاهيم الاسمية ـ بقطع النظر عن مداليلها وهل انّ مدلولها من قبيل الجواهر أو الأعراض أو الاعتبارات أو الانتزاعيات ـ كلها مفاهيم استقلالية غير مفتقرة لموضوع يؤهلها لأن تنخطر في الذهن ، ولهذا لو افترض جدلا ان لا مفهوم في عالم الوجود إلاّ مفهوم واحد فإنّه مؤهل لأن ينخطر في الذهن ، مما يعبّر عن انّ المفاهيم الاسمية كالوجودات العينية من حيث انّها موجودة لا في موضوع ، غايته انّ الوجودات العينية متقرّرة في وعاء الخارج وأما المفاهيم الاسمية فهي متقررة استقلالا في وعاء الذهن.
ولتوضيح ما ذكرناه نمثل بهذه المفاهيم ، وهي مفهوم الماء والبياض والعلية والبيع ، فإنّها جميعا مفاهيم اسميّة ، ونلاحظ انّها معاني متصورة ومدركة ولها تقرّر وثبوت بنحو مستقل في وعاء الذهن ، ونلاحظ انّ إدراكها ليس منوطا بوجود ألفاظ موضوعة ومستعملة لغرض الدلالة عليها بل ان تصوّر وإدراك هذه المعاني متحقق بقطع النظر عن ألفاظها.
كما نلاحظ انّ اختلاف هوية هذه المعاني ـ من حيث انّ الاول منها من قبيل الجواهر والثاني من قبيل الأعراض والثالث من قبيل المفاهيم الانتزاعية والرابع من قبيل المفاهيم الاعتبارية ـ لا يمنع من كون تعقّلها وتصورها في الذهن استقلاليا ، بمعنى انّ هذه المعاني وان اختلفت هوياتها إلاّ انّ لها تقرّر وثبوت في حدّ نفسها في وعاء الذهن.
ومع اتضاح ذلك يتضح ان الألفاظ الاسمية ليس لها إلاّ دور إخطار مداليها في ذهن السامع فهي لا توجد المعاني المدلولة لها في الذهن وانّما توجب حضورها وانخطارها في الذهن بعد ان كانت مخبوءة.
* * *