اليوم ما يجعلهم يتنازلون بهذه السرعة ، ومن ثم ليلزموا أنفسهم بما ألزموها به من جزية فادحة.
* * *
ومن بعد ذلك فقد أوقعت هذه الآية الكثير من علماء القوم في تخبّطات عجيبة نتيجة لإحساسهم العميق بدلالتها القاطعة على ما تقول الإمامية ، (١) فبدلاً من رضوخهم للحق الذي جاءت به ، فإنها جعلتهم يتقحّمون في ما لا يتقحّم ، ويتكبدون ما لا غنىً لهم بمكابدته ، فحدا ببعضهم إلى القول بأن الآية الكريمة لم تعن بالنفس أميرالمؤمنين عليهالسلام وإنما عنت الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كما ذهب إلى ذلك أمثال الآلوسي الذي حاول أن يهرب من وجود أميرالمؤمنين في القصة فادّعى متمادياً أن الأمير يدخل في الأبناء (٢) ، وتمحّل آخر فاستبعد أن يراد بالنفس علياً كما فعل محمد عبده! (٣) ، وكذب ثالث فروى على لسان الإمام الباقر عليهالسلام (٤) بأن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أخرج مع بني علي أبا بكر وولده ، وعمر وولده ، وعثمان وولده كما نقله ابن عساكر بسنده عن الدارقطني ، عن أحمد بن قاج ، عن ابن جرير
____________________
(١) يقول الزمخشري في تفسيره عن الآية بأن فيها : دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء. تفسير الكشاف ٤٣٤ : ١.
(٢) روح المعاني ١٨٩ : ٣.
أقول : قد فاته أن العربي لا يدعو نفسه ، وإنما يدعو غيره ، ولا وجود لقرينة تنفي ظهور السياق.
(٣) تفسير المنار ٣٢٢ : ٣.
أقول : هذه مما انفرد به الرجل ، وعمل القوم على خلافه ، وقد مرّ بك كلام الرازي بأن القوم متفقون على صحة الرواية.
(٤) نلفت الانتباه إلى أن الكثير من الأحاديث الموضوعة في مدح أبي بكر وعمر وعثمان جعلت على لسان أحد المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) كي تكون أبلغ في الفرية!!