والثامن : وهو الأخير الذي أود ذكره هنا ، والتفصيل بأكثر من ذلك سيأتي في محله إن شاء الله تعالى ، (١) وهو متعلق بدعوى القوم حول ردّ شهادة أمير المؤمنين عليهالسلام وأم أيمن ، وعدم قبول طلب الصديقة البتول (صلوات الله عليها) ، إذ زعموا أن أمير المؤمنين عليهالسلام وإن كان مصدّقاً فهو واحد ، والشهادة إنما تقام باثنين ، ورده أهون من الادلاء به لو كانوا يفقهون ، فالرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في قصة شهادة ذي الشهادتين أمضى شهادة الواحد ، (٢) وفقه القوم يقبل شهادة الواحد كعبد الله ابن عمر كما هو الحال في قصة بني صهيب ، (٣) وهو نفس المورد الذي أسس القوم عليه موافقتهم على حجية خبر الواحد كما هو مفصل في علم الأصول ، فهل يرون أن علياً عليهالسلام أقل درجة من ذي الشهادتين وعبد الله بن عمر؟! بحيث تقبل شهادة هؤلاء وترد شهادة الأمير عليهالسلام! ساء ما يحكمون!!
فإن قيل : إنما ردّت شهادة الإمام فبسبب كونه إنما يطلب أمراً لنفسه ، قلنا : وإن كان ذلك قبيح جداً ، فحينما أمّره أهل الإسلام على دينهم لم يثر ذلك في أذهانهم رغم ان الذي أمّنوه عليه أخطر بكثير من شأن مال فدك! وهو قبيح أيضاً لأنه يستثني من ذلك ابن أبي قحافة وهو اولى بالاتهام بهذا من غيره ، فهو الذي استحوذ على المال ، والإمام جاء مطالباً بما كفّت يده عنه ، وهو منقوض بحسب مبناهم في عدالة جميع الصحابة ، فهنا اتهام الإمام عليهالسلام إنما يكون بناء على عدم عدالته ، وما دام أنهم أخرجوا الإمام (بأبي وأمي) من ذلك فقد أخرجوا معه الجميع ، ولكن مع ملاحظة القبح
____________________
(١) تحدثنا عن ذلك بالتفصيل والتحليل في كتابنا قيد الانجاز : فاطمة الزهراء عليهاالسلام فريدة الدهر.
(٢) جامع الأصول في أحاديث الرسول ١٩٥ : ١٠ ـ ١٩٦ رقم ٧٧٠٧١ عن النسائي وابن داود.
(٣) البخاري ١٤٣ : ٣ في ذيل «باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته».