رغم كل ما تعسف به القوم وتمحّلوا في تبرير وتفسير هذا الخبر ، ومن جملتها ما ذكره القرطبي في تفسيره بعد تصحيحه الخبر : لا خلاف أن النبي لم يرد بمنزلة هارون من موسى الخلافة بعده ، ولا خلاف أن هارون مات قبل موسى عليهماالسلام وما كان خليفته بعده ، وإنما كان الخليفة يوشع بن نون ، فلو أراد بقوله : إنما أنت بمنزلة هارون من موسى الخلافة لقال : أنت مني بمنزلة يوشع من موسى! فلما لم يقل هذا دلّ على إنه لم يرد هذا. (١)
وقوله هذا إن حكم به على شيء ، فقد حكم به على نفسه ، فهارون إنما استخلف لكونه نبيّاً ، فإن قال : إنما استخلف على أهله ليس إلا ، قلنا : فإن مقام نبوته قد انتفى بالمرة ، وإلاّ فحين لا يخرجه إلى مهمة رسالية ضخمة كالتي خرج بها ، ويبقيه لمهمة خارجة عن الرسالة بزعمهم ، فأي وجود لنبوته بعدئذ؟! بل إن كلامه هذا ينقض نفس القرآن الذي يتحدّث فيه عن طبيعة استخلافه حيث يقول على لسان موسى عليهالسلام : (وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ
____________________
= وأعجب منه تهمته للشيعة وكيله لهم الشتائم الذين بزعمه : يزعمون التواتر في ما يوافق مذهبهم الفاسد ، وإن اجمع أهل الحديث والأثر على إنه كذب موضوع مختلق ، ويزعمون في ما يخالف مذهبهم أنه آحاد!! وإن اتفق أولئك على صحته وتواتر رواته!! تحكماً وعناداً وزيغاً عن الحق فقاتلهم الله ما أجهلهم وأحمقهم. الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة : ٤٩ ـ ٥١.
أتراه نسي المثل العربي : رمتني بدائها وانسلت! فمن يتهم من؟! أنحن من قال عن حديث المنزلة والولاية (انظر ص ٤٩ من الكتاب المذكور) والثقلين من الآحاد وقد ملأت كتبكم وسودت الكثير من صحائفكم أم نحن؟! قاتل الله الطائفية والجهل ما أورد دعاته في متاهات الجهل والضلال.
علماً أن استقصاء كل من ذكر الخبر واستيفاء طرقه العديدة قد يستوجب عدة صفحات أخرى لذكر تخريجات الخبر فقط ، وما انتخبته لم يك غير نموذج لما ذكر ، وقد تركت وراءه الشيء الكثير لمن ذكرت ولغيرهم.
(١) الجامع لأحكام القرآن ١٨٤ : ١ لأبي عبد الله القرطبي (ت ٦٧١ هـ) ؛ دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٩٨٨ ط ١.