يحاول أن يبرز من خلالها إلى أن هيأ له المقدّس الوالد الشيخ علي الصغير (رضوان الله تعالى عليه) فرصة البروز حين أشركه في أحد احتفالات الرابطة الأدبية في النجف الأشرف (١) التي كانت تمثل واحدة من أهم الأندية الاجتماعية والسياسية فضلاً عن توجهاتها الأدبية والدينية ، وما بين تطلعات الشباب التي كانت تحتوشها أزمات الأمة الكبيرة المتمثلة بأزمة فلسطين واستحقاقات الانتقال من مرحلة الاستعمار المباشر إلى مرحلة الاستعمار غير المباشر ، وما يفرضه واقع التخلف الذي كان يسدر بكلكله على كاهل الأمة ، فضلاً عن احتفانات نفسية كانت تثيرها بعض الأجواء والسلوكيات الاجتماعية في هذا الشاب ، ما بين كل ذلك فإنه كوّن أساساً علمياً هشّاً لا ينسجم مع الطبيعة العلمية المتعمقة التي كانت تميّز الجو العلمي في النجف.
وكأي شاب عاش طفولة مرهقة كالتي يتحدث عنها هو ، أو كما هو معروف عنها بين أقرانه المعاصرين له ، وكما هو معروف عن سيرة العائلة الذاتية فقد تقاذفته الأمواج التي كانت تتلاطم في أجواء النجف على صعد مختلفة ، وهي الأمواج التي جعلته يغادر حلقات الدرس الجدية بسرعة ، (٢) ومن ثم لينهمك في أتون أجواء أخرى ، وهي أجواء كان لها بريقها الديني ، ولكن أهميتها الدينية شيء ، والواقع العلمي الذي أفضى بشاب لم يتعدّ نصف عقدة الثاني في أتونها شيء آخر ، فطبيعتها مهما كانت رفيعة غير انها تقضي بأن تنصرف هموم طالب العلم إلى غير حلقات طلب العلم ، ومن يعرف الواقع العلمي في النجف ويعرف طبيعة عمقه ، يعرف أن المسألة لا تتوقف عند حضور درس أو إتمام كتاب درسي ، بقدر اعتمادها على ملاحقة
____________________
(١) كان المقدّس الوالد (رض) في وقتها نائب أمينها العام وبعد رحيل أمينها العام الشيخ محمد علي اليعقوبي (رض) أصبح رئيساً لها ، وعمله هذا كان انسجاماً مع ما عرف عنه (رض) باهتمامه الشديد بالشباب.
(٢) بمعزل عن الادعاءات التي تطرح حالياً بعد رحيل أغلب الزملاء ، لأسباب لا تخفى على ذي لب.