علمية مضنية على صعد عديدة لا مجال لتفصيلها هنا ، ولهذا تراه بعد أن انضوى في سلك حزب الدعوة الإسلامية الذي كان يعرف آنذاك بتأثره الشديد بفكر سياسيي أهل العامة كحزب الإخوان المسلمين وحزب التحرير ، ولهذا الأخيرة تأثيره الأميز على فكر فضل الله ، يعرفه كل من يعرف تأثّر الحزب بشكل حاسم بفكر عبد الهادي سبيتي (١) الذي كان يقود حزب الدعوة بشكل صارم ، يخرج من النجف في عدة مهمات تبليغية في قرى العراق النائية عن النجف (٢) ، حيث الثقافة المبسطة والنفوس الخام بمعية بعض العلماء أو منفرداً ، وهذه ليست بالمعيبة قطعاً ، ولكن طبيعة العمل التبليغي هو الآخر يفرض العبد عن الأجواء العلمية.
ثم ما أن بدأ جيله يأخذ لنفسه حيزاً اجتماعياً في أوساط المتحمسين ، حتى كان العراق قد دخل مرحلة الحكم الجمهوري ، وكان فضل الله فيها قد أتمّ عقده الثاني للتو ، وهي مرحلة تميزت باضطرابها الشديد ، وسرعة تحركاتها وتقلباتها السياسية ، وهو الاضطراب الذي كانت أمواجه تتلاطم في النجف التي تعدّ واحدة من أهم المواقع تأثيراً في الحياة السياسية آنذاك ، وفي هذه الفترة كان العراق قد شهد عدة انقلابات عسكرية تميز بعضها بدمويتها الشديدة التي ضربت كل المحافظات العراقية لا سيما النجف الأشرف ، وقد امتدت هذه الفترة حتى عام ١٩٦٥ م حين بدأت النجف تشق طريق السيطرة السياسية إبان حكم طائفي بغيض ، ولهذا فإن خروجه من النجف عام ١٩٦٦ م ـ ولم يك قد أتمّ عقده الثالث ـ يمكّننا من القول بأن حصيلته العلمية كانت ضعيفة جداً ، لا سيما في مجال الدراسات التي لم تكن داخلة ضمن المنهج الدراسي بشكل رسمي كأبحاث التأريخ والعقائد
____________________
(١) لبناني ، اعتقل في الأردن في مطلع الثمانينات ، وسلمته السلطات الأردنية إلى العراق حيث اختفت أخباره منذ ذاك.
(٢) واحدة من تقاليد النجف خروج طالب العلم للتبليغ في فترة المعطلة الدراسية التي كانت تستغرق رجب وشعبان ورمضان.