لتجربتهم أن يتحملوها ، ولهذا باتت الساحة الفكرية فارغة جداً! وحده محمد حسين فضل الله الذي وضع نفسه بعيداً عن اجواء هذه المعارك ، وكان يتحرك بالكثير من روح ملتوية على الجو العام ، ففي المعركة ضد البعثيين العراقيين والشيوعيين اللبنانيين التي جرت في تلك الفترة ببيروت وقف متفرجاً يحرّم على أتباعه من المنتمين إلى اتحاد الطلبة القتال رغم أنه كان قتالاً حاسماً جداً للكثير من متطلبات الحالة الإسلامية ، (١) ورغم أن بيته كان بجوار أحد قلاع حزب البعث العراقي في حي فرحات إلا انه يتعرض لأي أذى من أحد منهم رغم دمويتهم الفائقة على الوصف ، وهكذا تجد أمره في المعركة مع الدروز ومع الناصريين ومع حركة فتح (بغض النظر عن الحكم على طبيعة المتخاصمين) ، وفي هذا التفرد الذي ميّز به نفسه تمكّن من أن يتفرغ للشارع الشعبي ، وسط ارتياح مناظرية لذلك لفهمهم أنه يحل مشكلة في هذا الشارع ، ولكن حسابات الحقل لم تتوافق معه حسابات البيدر!!
استغل الظروف الناشئة بعيد الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢ م ثم تداعيات الأحداث اللاحقة لذلك ، وما أودت من بعد ذلك إلى صراع مسلح بين إخوة السلاح والمعتقد ، فاعتكف بعيداً عن الاجواء العلمية المختصة تماماً ، وراح يستغل الأجواء الشعبية والشبابية تحديداً والتي وجدت في خطاباته المبسطة متنفساً لها في شعورها بالغربة عن الجو العلمائي ، (٢) الغارقين في مشاكل أمن الناس وملاحقة رغيف عيشهم.
ووسط هذه الظروف ابتنى لنفسه منظومة واعلامية اتسمت بإحكامها الشديد وشدة دأبها على الترويج له وبكل الأساليب المتاحة ،
____________________
(١) ارتفع التحريم بعد نجاة الشيخ علي الكوراني باعجوبة من محاولة الاغتيال التي نفذها حزب البعث العراقي في ساحة الغبيري أي بعد شروع القتال بنحو تسعة أشهر.
(٢) أعني هنا بالجو العلمائي الجو الملتزم منهم بخط العلماء.