المنضوية في المنظومة الفكرية الواحدة ، أما إن كان يريد بذلك ابتداع الشيعة لهذا الأصل ، وهو ما يبدو من كلامه الآتي ، فهو مردود عليه! كيف لا؟ وقد كان متمكّناً من معرفة الخليفة القرآنية في تأسيس مدرسة أهل البيت عليهمالسلام لفكر العصمة ، وجهله بذلك لا يبيح له اتهام المسلمين ليس فيهم.
والعجيب بأستاذ الفلسفة أن يرى تناقضاً بين العصمة والاختيار! فأين التناقض بين حالة علمية بحقائق الأشياء وهو الاطار الكلّي للعصمة ، وبين ارادة عرفت جمال ربها وجمال ما يعد به ، ففضّلت هذا الجمال على الرجس الذي بدا واضحاً لها وابتعدت عنه؟ وهذا هو الاطار الذاتي المؤهل للحصول على العصمة ، لا نريد أن نتهم الدكتور في فهمه ، ولكنه قد يكون غفل عن النظر إلى الأمر من هذه الزاوية ، وتفصيل ذلك موكول لمحله في الكتاب.
أما الحديث عن تأثر الفكر الشيعي بالمعتزلة ، فهو واهن فالتشابه بين الأفكار لا يعني بالضرورة تأثر أصحابها ببعضهم ، ولكن حين يكون فكر الشيعة سابق لظهور المعتزلة ونضوج أفكارهم ، كان عليه أن يفصل معرفياً بين المؤثّر عن المتأثّر.
أما حديثه عن قول الإمام زين العابدين عليهالسلام فهو صحيح ولكن خاتمته مغرفة في البساطة ، والشيعة لا تعتبر ذلك دليلاً مستقلّاً ووحيداً ، فالحديث عن التمسك بالقرآن حديث فيه عام وفيه خاص ، والعام ما عنى جميع المسلمين وهو التوفيق للالتزام بظاهره وهو في متناول كل قرآني اعتصم بالقرآن ، أما بواطن القرآن وحقائقه التي تضمنت تبيان كل شيء وفق الآية الكريمة ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (١) فهي ليست علماً يمكن لظاهر القرآن أن يكشفه ، ولا للكتب التفسيرية وأغلبها قائم على فهم بشري ، لا عسر في اكتشاف القدرات الفكرية المتدنية في كثيره ، وإنما هو علم اختصّه الله لمن طهر قلبه من الزيغ فجعله
____________________
(١) النحل : ٨٩.