المسلمين وكل ما يمس حلالهم وحرامهم ، وكما أنهم لم يوافقوا أهل السنة على الإجماع ، لم يوافقوا أكثر وأكثر على القياس. فحين حرموا القياس ، لجأوا إلى الحكم المباشر من الإمام. يلقيه إليهم عن تلق أو عن اجتهاد ، ولا بد أن يكون اجتهاده مبرّأً من العيوب ، معصوماً عن الخطأ.
لا إجماع إذن ولا قياس ، وإنما نص قرآني أو حديث عن إمام من الأئمة ، أو اجتهاد أشبه بصلصلة الجرس ، ولكن الإمام غائب ، وانتهى عهد الوكلاء ، فأي أصل من الأصول يعود إليه الشيعة الأثنا عشرية ، إذا استحدث حادثات؟ استحدثوا أصلاً غريباً ، كل ما خالف العامة فهو رشاد. وما أعجب هذا الأصل. (١)
ولنا على كلامه هذا جملة من الملاحظات نذكر منها ما يلي :
١ ـ ما ذكره من أسباب لاعتناق الاثني عشرية ، لا تتوافق بالضرورة مع ما يراه الشيعة الاثنا عشرية سبباً للإيمان بالعصمة ، فإن أسبابها ما بحثناه في الكتاب ، وإن كان بعضها مما لم يتعرض له الكتاب ، ولكنها في العموم تعود لأصلين ، أحدهما يعود إلى النص القرآني والنبوي الشريف ، والثاني يعود إلى الدلالات والاشتراطات العقلية المبتنية على هذا النص ، إما ما سواها فهي من الاستحسانات العقلية التي قد تصيب الواقع وقد لا تصيب.
٢ ـ إن حديث : «من مات ولم يعرف إمام زمانه» ليس حديثاً شيعياً فحسب ، بل هو ما تواترت طرقه لدى العامة ، وقصة بيعة عبد الله بن عمر بن الخطاب للحجاج بن يوسف الثقفي المستندة إلى هذا الحديث متواترة في الكتب المختصة.
٣ ـ ما تراه الإمامية في الإجماع ، أن إجماع الناس ليس حجة بذاته ما لم يتخلله رأي معصوم يمكن الاحتجاج به عند الله سبحانه وتعالى ، فلا قيمة
____________________
(١) نشأة الفكر الفلسفي ٢ : ٢٢٦.