نحن أمام تجربة علمية واسعة النطاق للفقه الإمامي وقد أثبت عدم حاجته لاستحداث سبل جديدة للتشريع بمعزل عن النص سواء كان كتاباً أو سنة ، أو الكاشف عن هذا النص كالعقل والإجماع.
أما بالنسبة إلى ما اعتبره أصلاً غريباً ، فلو ساءل الدكتور موروثه التشريعي والروائي لوجد أن الأمر على خلاف ما يقول ، بل هو ما يصح ضرب المثل : «رمتني بدائها وانسلت!»به ، فهذا الأصل هو أصل عامي ، عمد إليه الفقه العامي منذ أيام بني أمية ، وقد أسسوه على قاعدة : مخالفة تشريعات أهل البيت عليهمالسلام ، ولو كبّد الدكتور نفسه عناء البحث في متونه الفقهية لوجد أن ما رمانا به كان غيرنا من أصحاب هذا المتون أولى به ، وخذ مثالاً على ذلك ما تحدّث به غير واحد من أئمة القوم حول حرمة أو مكروهية الصلاة على غير الأنبياء رغم وضوح النص القرآني بجوازه لكل أولياء الله وفقاً لقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) (١) ، وقوله تعالى : (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (٢) إلا إن هذا الوضوح في الجواز حينما عملت به الشيعة صار محرماً أو مكروهاً ، ولذا قال الزمخشري بكراهيته لأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض ، (٣) وفي ذلك تجد ابن كثير بعد أن ذكر تحريمه من قبل بعض فقهائهم يعتمد قول النووي : والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه لأنه شعار أهل البدع ، وقد نهينا عن شعارهم. (٤)
____________________
(١) الأحزاب : ٤٣.
(٢) البقرة : ١٥٧.
(٣) تفسير الكشاف ٣ : ٢٧٣.
(٤) تفسير ابن كثير ٣ : ٥٢٤ ، وانظر قول النووي في روضة الطالبين وعمدة المفتين ٢ : ٢١١ ، والدمياطي في اعانة الطالبين ٤ : ٣٤٣ ، وابن عابدين في رد المحتار على الدر المختار ٦ : ٧٥٣.