مطلب آخر خارج عن مؤدّى هذا الخطاب ، وتحقيقه موكول إلى نظر العقل وستعرفه ، فلا موجب للانصراف ولا التشكيك في عموم مؤدّى الخطاب لجميع الأفراد الواقعيّة حتّى المجهولة منها فضلا عن المعلومة بالإجمال.
ولئن سلّمنا كون مؤدّى الخطاب هو الحرمة الفعليّة وفرضنا في فهم العرف تشكيكا في شمولها للأفراد المعلومة بالإجمال باعتبار الشبهة في كفاية العلم الإجمالي بالموضوع في تنجّز التكليف به ، فهو تشكيك بدوي لا يبلغ حدّ الانصراف إلى غير المعلوم بالإجمال ، ويزول بمراجعة العقل والنظر في حكمه بعدم الفرق في شرط تنجّز التكليف بين العلم التفصيلي والعلم الإجمالي ، كما سنبيّنه في وجه بطلان الوجه الثالث.
فإن قلت : إنّ الجهة الباعثة على الانصراف هو أنّ حال النواهي ليست إلاّ كحال الأوامر ، فكما أنّ المتبادر من الأمر في العرف طلب فعل عن قصد وإن لم يدخل القصد في وضع اللفظ ولا في متعلّق الأمر بل كان تبادر إطلاقيّا محضا من ملاحظة المجموع من مفهوم الصيغة ومدلول المادّة ، فكذلك المتبادر من النهي طلب ترك فعل عن قصد تبادرا إطلاقيّا أيضا على نحو ما عرفت ، وحينئذ فمن شرب الخمر المعلوم بالتفصيل عن قصد فلا إشكال في اندراجه في دليل المنع والتحريم فيكون اثما ، وكذلك إذا كان معلوما بالإجمال فارتكب جميع أطراف العلم الإجمالي دفعة بقصد أن يشرب الخمر أو تدريجا بقصد أن يتوصّل إلى شرب الخمر ، وأمّا من ارتكب الجميع لا بقصد أن يشرب الخمر أو يتوصّل إلى شرب الخمر فلم يظهر اندراجه في دليل المنع.
قلت : مع ما في هذا السؤال من التمحّل والتكلّف ما لا يخفى ، أنّ هذا ليس من منع انصراف الخطاب إلى المعلوم بالإجمال في شيء بل هو اعتراف بشموله للعالم بالإجمال.
غاية الأمر أنّ المطلوب منه هو ترك المعلوم بالإجمال المقرون بالقصد ، بناء على أنّ القصد في كلّ من الأمر والنهي معتبر في متعلّق الطلب ، وهو الفعل في الأمر والترك في النهي ، فيعتبر في الأمر أن يكون الإتيان بالفعل مقرونا بقصد ذلك الفعل وبالترك أيضا مقرونا بقصد ذلك الترك ، وحينئذ فالمكلّف بالنسبة إلى مدلول النهي لا يخلو عن إحدى حالات أربع ، لأنّه إمّا أن يترك المنهيّ عنه عن قصد ، أو يتركه لا عن قصد ، أو يفعله عن قصد ، أو يفعله لا عن قصد.
فعلى الأوّل يكون ممتثلا ومثابا.
وعلى الثاني وإن لم يكن مثابا إلاّ أنّ تركه الصادر لا عن قصد مسقط للطلب ، لكون