التكليف الفعلي كالقدرة شرط عقلي ، وقولنا : « التكليف مشروط بالعلم » قضيّة عقليّة ، والقضايا العقليّة المتلقّاه من العقل ليست كالقضايا الملفوظة المتلقّاة من الشارع ليطرئها إجمال واهمال ، بل هي قضيّة معقولة لا بدّ وأن تكون مبيّنة في نظر العقل بحيث لم يكن فيها إجمال وإهمال أصلا في شيء من أطرافها موضوعا ومحمولا وكمّا وكيفا وجهة ، ومناط حكمه في تلك القضيّة أحد الأمرين من لزوم تكليف الغافل وتكليف ما لا يطاق لو لا اشتراطه بالعلم ، فالأوّل في المكلّف الغير الملتفت إلى حكم الواقعة أصلا ، والثاني في الملتفت الشاكّ في حكمها الواقعي الّذي لا طريق له إلى معرفته أصلا ، لعدم تمكّنه من الامتثال على تقدير كونه في الواقع مخاطبا بالفعل بالارتكاب أو الاجتناب ، وكما لا يلزم شيء من ذلك في العالم بالفتصيل لو كان بالفعل مخاطبا بالارتكاب أو الاجتناب ، فكذا لا يلزم شيء منهما في العالم بالإجمال المتمكّن من الامتثال ، خصوصا إذا كان علمه الإجمالي في الموضوع بعد علمه التفصيلي كما فيما نحن فيه.
وقضيّة ذلك كلّه أن يكون شرط توجّه الخطاب فعلا وتنجّز التكليف على المكلّف هو العلم بكلّ من الحكم الواقعي وموضوعه عنوانا ومصداقا ولو إجمالا ، لكن بالنسبة إلى الحكم مع التمكّن من العلم التفصيلي ، وبالنسبة إلى موضوعه مع التمكّن من الامتثال وإن لم يتمكّن من العلم التفصيلي ، فالعلم الإجمالي بالحكم الواقعي مع التمكّن من العلم التفصيلي به والعلم الإجمالي بموضوعه ـ ولو مصداقا ـ ولو مع عدم التمكّن من العلم التفصيلي به كاف عند العقل في صحّة الخطاب وحسن التكليف.
وهذا هو السرّ في الفرق بين الجاهل المقصّر والجاهل القاصر في الأحكام ، بكون الثاني في مخالفته لها معذورا دون الأوّل ، لتنجّز التكليف على الأوّل بتحقّق شرطه وهو علمه الإجمالي بالأحكام الشرعيّة مع تمكّنه من معرفة تفاصيلها ، وعدم تنجّزه على الثاني لعدم تحقّق شرطه ، فلو توجّه إليه الخطاب لزم تكليف الغافل وتكليف ما لا يطاق.
وقضيّة ذلك أن يكون المعلوم بالإجمال في الشبهة المحصورة مشمولا لخطاب التحريم في نظر العقل أيضا ، ولا ينتقض بالعلم الإجمالي في الشبهة الغير المحصورة لعدم الابتلاء بجميع أطراف الشبهة في غير المحصور.
ومن شروط تأثير العلم الإجمالي في تنجّز الخطاب بالاجتناب عن المعلوم بالإجمال ابتلاء المكلّف به بواسطة ابتلائه بجميع أطراف العلم الإجمالي ، حتّى أنّ هذا الشرط معتبر في الشبهة المحصورة أيضا كما ستعرفه في فروعها ، فلو لم يكن بعض أطراف العلم