استدلال الشيخ قدسسره بها على عدم انفعال القليل بملاقاة ما لا يدركه الطرف من الدم.
الصورة الثالثة : كون الشرط المعلّق عليه التكليف بالاجتناب عرفيّا يفهم العرف من الخطاب ، ككون الحرام أو النجس الواقعي محلاّ لابتلاء المكلّف به ، فقول الشارع : « حرّمت عليكم الخمر أو الميتة » أو نحو ذلك يفهم منه وجوب الاجتناب عن هذه الأشياء في محلّ الابتلاء ، فكأنّه قال : إذا ابتليتم بالخمر أو الميتة يجب عليكم اجتنابه ».
وأمثلة تحقّق هذا الشرط في أحد طرفي العلم الإجمالي وانتفائه في الطرف الآخر كثيرة ، منها : النجاسة الواقعة فيما يتردّد بين الإناء أو الثوب أو موضع آخر ونحوه من محلّ الابتلاء وغيره ممّا ليس بمحلّ الابتلاء ، فإنّه لا يوجب المنع من استعمال ما هو من محلّ الابتلاء لمكان الشكّ في تنجّز التكليف بالاجتناب عن المعلوم بالإجمال.
وبجميع ما بيّنّاه اندفع كلام صاحب المدارك حيث إنّه في مسألة الإنائين المشتبهين نقل احتجاج العلاّمة في المختلف على وجوب اجتنابهما معا بأنّ اجتناب النجس واجب قطعا ، وهو لا يتمّ إلاّ باجتنابهما معا ، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب.
وأورد عليه بما يقتضي باختياره عدم وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة عن جميع ما وقع فيه الاشتباه من أنّ اجتناب النجس لا يقطع بوجوبه إلاّ مع تحقّقه بعينه لا مع الشكّ فيه ، [ ثمّ ] أيّده بقوله : « ويستفاد من قواعد الأصحاب أنّه لو تعلّق الشكّ بوقوع النجاسة في الماء وخارجه لم ينجّس الماء بذلك ولم يمنع من استعماله وهو مؤيّد لما ذكرناه ، فتأمّل » انتهى (١).
ووجه الاندفاع : أنّ السرّ في عدم اجتناب الأصحاب عن الإناء في نحو هذا الفرع إنّما هو لرجوع الشكّ المفروض بالنسبة إلى الإناء إلى كونه في التكليف ، باعتبار ما اجتمع فيه مع العلم الإجمالي من الجهة الموجبة للشكّ في تنجّز التكليف ، وهو لا يوجب نقضا لقاعدة وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة المنوط بعدم اجتماع نحو هذه الجهة مع العلم الإجمالي ، ليكون الشكّ المعتبر فيها في المكلّف به لا التكليف الصرف ، ولعلّ قوله قدسسره : « فتأمّل » إشارة إلى ذلك.
ودفعه في الحدائق (٢) بخروج الفرع المذكور عن ضابط الشبهة المحصورة ، وهو ما كان للمشتبهين عنوان جامع بينهما ليصحّ تعلّق الخطاب به كما هو المعهود فيها ، ولا يتأتّى ذلك
__________________
(١) المدارك ١ : ١٠٨.
(٢) الحدائق ١ : ٥١٧.