أهل قرية كثيرة يعلم بوجود زيد فيها لم يكن ملوما وإن صادف زيدا ، وقد ذكرنا أنّ المعلوم بالاجمال قد يؤثّر مع قلّة الاحتمال ما لا يؤثّره مع الانتشار وكثرة الاحتمال ، كما قلناه في سبّ واحد مردّد بين اثنين أو ثلاثة ومردّد بين أهل بلدة ، ونحوه ما إذا علم إجمالا بوجود بعض القرائن الصارفة المختفية لبعض ظواهر الكتاب والسنّة ، أو حصول النقل في بعض الألفاظ إلى غير ذلك من الموارد التي لا يعتنى فيها بالمعلوم الاجماليّة المترتّب عليها الآثار المتعلّقة بالمعاش والمعاد في كلّ مقام » إنتهى كلامه رفع مقامه (١).
فإنّه في النظر الدقيق إحالة إلى المجهول لجهالة ضابط العلم الإجمالي الّذي لا يعتني به العقلاء على وجه لا يشذّ منه شيء من الموارد ، والعمدة في المقام بيانه لا غير ، وإلاّ فلا خفاء على أحد أنّ امتياز غير المحصور عن المحصور إنّما هو في كون العلم الإجمالي في الأوّل ممّا لا يعتني به العقلاء بخلاف الثاني.
وأضعف منه ما في الضوابط وعزي إلى المحقّق أيضا من أنّ غير المحصور ما كان الاجتناب عنه موجبا للعسر والحرج وهو كما ترى ، فإنّ العسر والحرج على ما ستعرفه مناط لحكم غير المحصور إن صحّحناه فكيف يصلح تعريفا له ، مع أنّهما يعرضان الأفعال وقلّما يعرضانه من التروك ، مع أنّ من موارد غير المحصور ما لا شائبة لهما في اجتنابه مع أنّه يعدّ منه ويجري عليه أحكامه ، كالصحراء الوسيع الّتي أصاب موضعا منها نجاسة فاشتبه الموضع.
ولبعض ما ذكرناه قد يوجّهان هنا بالضيق النفساني والمشّقة الحاصلة للنفس عن الاجتناب ، كالاجتناب عن كرّ من البرّ لوجود حبّة مغصوبة وما يقرب منها في القلّة فيه ، والتجنّب عن جميع ما في السوق أو المباحات الكثيرة لوجود نجس أو مغصوب فيها ، فإنّه شاقّ على النفوس ولا يتحمّله النفس.
وهذا أيضا مع عدم انضباطه غير مطّرد لاختلاف الأشخاص في ذلك ، فإنّ من النفوس ما لا يتحمّل التحرّز عن درهمين أو ثلاثة دراهم أو أربعة أو عشرة أو ما يقرب منها ، وكذلك دينارين أو أزيد لوجود مغصوب فيها ، مع أنّه لا ينبغي الاسترابة في كونه من المحصور.
وأضعف ممّا ذكر ما في الضوابط (٢) أيضا من أنّ غير المحصور ما كان الحرام أو النجس المشتبه مضمحلاّ في جنب الباقي ، فإنّه أيضا غير منضبط ولا مطّرد ، ويكفي في
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٢٧٢ ـ ٢٧١.
(٢) الضوابط.