وناسيا ، والتنبّه بعد الفعل لا يجدي في توجّه الحكم المذكور إليه ، لانقضاء زمان العمل به فيكون جعله لغوا.
ومقايسة المقام على الشاكّ باطلة ، إذ الشاكّ حال الشكّ وفي زمان الفعل وقبله ملتفت إلى كونه شاكّا ، فيتوجّه إليه الحكم المجعول له ويعمل بمقتضاه.
وأمّا الثالث : فلاستحالة مخاطبة العقل المكلّف الناسي حال النسيان بإنشاء حكم مختصّ به ، وهو وجوب ما عدا الجزء المنسيّ عليه ، فإنّه حال النسيان غير ملتفت إلى نسيانه ليخاطبه عقله بذلك الحكم وإلاّ لم يكن ناسيا ، وإن اريد بالعقل نوعه لا خصوص عقل الناسي حال النسيان ، فغاية ما يسلّم منه إنّما هو حكمه بنفي تكليف الناسي بالجزء المنسيّ ونفي العقاب على مخالفة الواقع الحاصلة له بسبب نسيانه ، لا إثبات تكليفه بما يأتي به من المركّب الناقص ، والفرق بينهما واضح.
لا يقال : إنّ الناسي حال النسيان يأتي بما عدا الجزء المنسيّ باعتقاد أنّه المأمور به في حقّه ، والعقل أيضا يخاطبه بالعمل بموجب اعتقاده بقوله : « اعمل بمعتقدك » وهذا هو الأمر العقلي المقتضي امتثاله للإجزاء.
لأنّا نقول : إنّ الناسي لذهوله عن نسيانه إنّما يأتي بالمأتيّ به باعتقاد أنّه المركّب التامّ وهو المأمور به في حقّه ، لا أنّه يعتقد نقصانه وهو بوصف النقصان مأمور به في حقّه ، وحكم العقل بالعمل بالمعتقد الزام له بالعمل به على أنّه المركّب التامّ وهو المأمور به الواقعي في حقّه ، لا على أنّه مركّب ناقص وهو مأمور به في حقّه في تلك الحال ، فإذا انكشف النقصان بعد التنبّه والتذكّر تبيّن أنّ المأمور به بذلك الأمر العقلي الّذي هو إرشاديّ محض غير حاصل ، والحاصل غير مأمور به بذلك الأمر العقلي ، كما أنّه غير مأمور به بالأمر الشرعي الواقعي.
نعم لو قيل بابتناء المسألة على كون حالة السهو والنسيان من الوجوه المغيّرة للواقع الموجب تبدّلها لتبدّل الأحكام الواقعيّة واختلافها كان له وجه ، إلاّ أنّه أيضا فاسد بفساد المبنى ، لعدم تبدّل الأحكام بتبدّل الذكر والنسيان ، كما أنّه لا تتبدّل بتبدّل العلم والجهل ، كيف فلو كان النسيان من الوجوه المغيّرة فالجهل أولى بكونه منها كما هو واضح ، ولقد منعناه في محلّه في الجهل وبرهنّا على امتناعه ، فكذلك في النسيان بل هو أولى بالمنع كما لا يخفى ، وقضيّة ذلك كون الجزء جزءا في كلّ من حالتي التذكّر والنسيان ، فلا محيص من