التزام أصالة البطلان بالنقصان ولو سهوا أو نسيانا.
فإن قلت : إن لم ندّع الدليل على عدم جزئيّة الجزء في حالة السهو والنسيان فلا أقلّ من عدم الدليل على جزئيّته فيها ، إذ القدر المتيقّن منها إنّما هي في حال التذكّر ، خصوصا إذا استفيدت من إجماع أو خطاب تكليف مختصّ بالمتذكّر الشاعر ، كقوله : « أقرأ الفاتحة في الصلاة » أو « أقرأ السورة فيها » مثلا ، فغاية ما هنالك كونها في حالة النسيان مشكوكة ، فيرجع إلى أصالة البراءة على ما اخترته في مسألة الشكّ في الجزئيّة والشرطيّة.
قلت : أصل البراءة بالنسبة إلى الناسي ممّا لا محصّل له ، لأنّه بموجب دليله من العقل والنقل أصل موضوعه الشكّ ومؤدّاه نفي التكليف الإلزامي أو نفي الآثار المترتّبة عليه من المؤاخذة واستحقاق العقوبة ، والناسي إذا لم يلتفت إلى نسيانه فكيف يفرض له الشكّ في الجزئيّة حتّى يستعمل أصل البراءة.
وأيضا فإنّ العقل مستقلّ بقبح العقاب على المخالفة المستندة إلى النسيان لخروجه عن الاختيار ، ومعه لا يحتاج إلى إعمال البراءة ، وهو مع ذلك لا ينافي البطلان في نفس الأمر ، ويظهر فائدته بعد التنبّه في الوقت أو في خارجه في وجوب التدارك إعادة وقضاءا.
فإن قلت : نعم ولكن أصل البراءة يجري بعد التنبّه لنفي الإعادة والقضاء ، لأنّ الشكّ في الجزئيّة الموجبة للبطلان يرجع إلى الشكّ في التكليف بهما ، والأصل براءة الذمّة عنه وعن العقاب المحتمل ترتّبه على تركهما.
قلت : أصل البراءة بالقياس إلى ما بعد التنبّه أيضا ممّا لا مجرى له لنفي الإعادة والقضاء ، إمّا لما قيل : من أنّه أصل من شأنه نفي الحكم التكليفي أو الآثار المترتّبة على الحكم التكليفي من المؤاخذة واستحقاق العقوبة ونحوها ، وليس من شأنه نفي الحكم الوضعي ولا الآثار المترتّبة عليه.
ولا ريب أنّ وجوب الإعادة والقضاء من آثار الحكم الوضعي ، وهو جزئيّة الجزء المبحوث عنه في حالة النسيان ، وكما أنّه لا يصلح لنفي الجزئيّة فكذلك لا يصلح لنفي الآثار المترتّبة عليها ، فإعماله لنفي وجوب الإعادة والقضاء غير صحيح.
أو لأنّ من شروط جريانه أن لا يكون في المورد أصل موضوعي رافع للشكّ وارد عليه لرفعه الشكّ المأخوذ في موضوعه ، وفي المقام بالنسبة إلى كلّ من الإعادة والقضاء أصل موضوعي وارد على أصل البراءة.