« فهو حلال » وهو المشتبه مع إخراج المذكورات عن هذا الحكم ، ليكون مفاد الرواية إثبات الحلّيّة للمشتبه ونفيه عمّا لا اشتباه فيه كالمذكورات.
وهذه الفائدة حاصلة بدونه ، بملاحظة الغاية في قوله عليهالسلام : « حتّى يعرف » ، لوجوب مغايرة الغاية للمغيّا ، وإذا كانت الغاية هو صورة معرفة الحرمة فلا جرم يكون المغيّا هو صورة عدم معرفة الحرمة ، ولا تكون إلاّ صورة الاشتباه ، فالغاية بنفسها تفيد أنّ قضيّة الرواية مسوقة لبيان حكم للمشتبه مع خروج المذكورات بذلك أيضا عن هذا الحكم ، ولا حاجة معه إلى اعتبار قيد آخر لمراعاة هذه الفائدة ، كما يعلم ذلك بمراجعة رواية اخرى عن الصادق عليهالسلام : « كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، أو المملوك عندك ولعلّه حرّ قد باع نفسه ، أو خدع فبيع أو قهر ، أو إمرأة تحتك وهي اختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو يقوم به البيّنة (١) ».
فلا بدّ وأن يتضمّن ذكر الوصف فائدة اخرى وهو التعرّض لبيان منشأ الاشتباه كما تنبّه عليه بعض مشايخنا (٢) ، وأنّه اندراج المورد تحت كلّي ذي أفراد بعضها حلال وبعضها حرام ، ولا يدرى أنّ المورد من أيّ القسمين.
وقضيّة هذا كلّه تعيّن حمل الرواية على الوجه الثاني من الوجوه المحتملة في الظرفيّة ، فيكون « الشيء » بقرينة الوصف عبارة عمّا ينقسم إلى الحلال والحرام وغيرهما من الأفراد المشتبهة ، فيكون حاصل مفاد الرواية : أنّ الأصل في الأشياء المنقسمة إلى الحلال والحرام المشتملة عليهما عندنا أو في الواقع هو الحلّيّة بعنوانها الكلّي المتحقّق في جميع أفراده إلى أن يعرف ما هو بعينه حرام من هذه الأفراد ، ويندرج فيه المشتبه ويعلم أنّ حكمه ما دام الاشتباه هو الحلّيّة لا غير.
وأمّا الوجه الأوّل من الوجوه المذكورة وإن كان الحمل عليه لا يتضمّن محذورا ولا تكلّفا ، إلاّ أنّ الظاهر المتبادر من قوله : « كلّ شيء فيه حلال وحرام » هو الكلّي المنقسم إليهما لا الكلّ المتضمّن لهما ، هذا مع ما قيل من ظهوره في كون الشيء واحدا بالأصالة ، والمركّب وإن صحّ إطلاق الواحد عليه إلاّ أنّه واحد بالاعتبار ، فحمل ما ظاهره الواحد بالأصالة على الواحد بالاعتبار غير جائز إلاّ لقرينة.
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣١٣ ، ح ٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ ، ح ٩٨٩.
(٢) فرائد الاصول ٢ : ٤٨.