ومن الأعلام من أورد على كلام الفاضل المتقدّم في تنزيله الرواية على المعنى الأخير بوجوه :
الأوّل : أنّه يوجب استعمال اللفظ في قوله : « فيه حلال وحرام » في معنيين : قابليّة الاتّصاف بأحدهما ليخرج به ما لا يقبل الاتّصاف بشيء منهما ، وفعليّة الاتّصاف بهما على معنى انقسام الشيء إليهما ، ليخرج به ما لا يتّصف فعلا بهما أو بأحدهما.
الثاني : أنّه يستلزم استعمال آخر للفظ في قوله : « تعرف الحرام » في معنيين : المعرفة الحاصلة بالدليل بالقياس إلى الشبهة في الحكم ، والمعرفة الحاصلة من البيّنة وقول العدل وقول أهل الخبرة وغيرها من الأمارات الشرعيّة المشخّصة للموضوعات.
الثالث : أنّه لا معنى لإخراج المذكورات ، لأنّ قوله عليهالسلام : « فهو لك حلال » أنّ مجهوله لك حلال ولا جهالة فيها.
الرابع : أنّه لا معنى لاعتبار المفهوم المخالف في إخراج المذكورات إلاّ من باب السالبة المنتفية الموضوع ، لكون موضوع الحكم هو المجهول المنتفي في المذكورات وهي غير مفيدة (١).
وفي الجميع ما لا يخفى ، أمّا الأوّل : فلمنع ابتناء إخراج المذكورات على إرادة قابليّة الاتّصاف وفعليّة الاتّصاف معا من القيد الّذي هو وصف للشيء ، بل يكفي في إخراج الجميع اعتبار قابليّة الاتّصاف الّتي هي مفاد الاشتمال الشأني المراد من الظرفيّة القاضي بإرادة ما اشتبه حكمه من الشيء ، فإنّه لاحتمال كونه حلالا واحتمال كونه حراما من شأنه الاتّصاف بهما ، وهو عبارة اخرى لكونه قابلا للاتّصاف بكلّ منهما ، والحكم المستفاد من قوله : « هو لك حلال » معلّق على وصف الاشتباه ، فيدلّ التعليق بضابطة مفهوم الوصف على انتفاء ذلك الحكم عمّا انتفى فيه الاشتباه ، إمّا لعدم إمكان اتّصافه بشيء منهما أو لعدم اتّصافه بهما جميعا وإن أمكن ، أو لعدم اتّصافه إلاّ بأحدهما ، سواء كان الاشتباه في موضوع المنطوق لشبهة نفس الحكم الشرعي أو لشبهة موضوعه ، فالمفهوم عامّ لجميع المذكورات ، كما أنّ المنطوق عامّ للشبهة في الحكم والشبهة في الموضوع معا.
وأمّا الثاني : فلمنع استلزام الحمل المذكور لاستعمال قوله : « تعرف » في معرفتين ، لجواز إرادة القدر الجامع بينهما ، وهو المعرفة المطلقة لا بقيد حصولها بالدليل ولا بالبيّنة ونحوها.
غاية الأمر أنّها باعتبار الخارج تحصل تارة بالدليل واخرى بالبيّنة ، وهذا لا يقضي
__________________
(١) القوانين ٢ : ١٩.