في سعة ما لم يعلموا (١) » فلا بدّ من الترجيح السندي بالرجوع إلى المرجّحات السنديّة الّتي منها موافقة الكتاب وموافقة العقل المستقلّ ، وهما في جانب أخبار البراءة. فلا بدّ في أخبار الاحتياط من الطرح أو التأويل بالحمل على الاستحباب ، وهذا أولى.
سلّمنا عدم الترجيح من هذه الجهة أيضا لكنّهما خبران تعارضا وتساقطا ، ويبقى بعده الأدلّة الاخر المقامة على البراءة من الكتاب والإجماع ـ ولو في الجملة ـ والعقل سليمة عن المعارض ، فتأمّل.
الرابع : منع نهوض الاستدلال بها في كلّ واحد على التفصيل ، أمّا صحيحة ابن الحجّاج فأوّلا : بأنّ موردها من الشكّ في المكلّف به في الشبهة الحكميّة الوجوبيّة فلا يندرج فيه محلّ البحث لوجهين.
وثانيا : على فرض تسليم كون المنساق من الرواية في متفاهم العرف أنّ من اشتبه عليه الأمر في التكليف أو المكلّف به وجوبيّا أو تحريميّا فعليه الاحتياط حتّى يسأل ، بأنّ الرواية إنّما تفيد وجوب الاحتياط والاحتراز عن الإفتاء في مقام الجهل بحكم الواقعة إلى أن يسأل عنه ويعلم به ثمّ يفتي ، بقرينة قول الراوي : « بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه (٢) » وقول الإمام عليهالسلام : « حتّى يسألوا منه وتعلموا (٣) » حيث جعل غاية الاحتياط السؤال عن حكم الواقعة والعلم به ، فقوله : « إذا أصبتم بمثل هذا ـ أي إذا سألتم عمّا لا تعلمونه ـ فعليكم الاحتياط والإمساك عن الإفتاء حتّى تسألوا وتعلموا (٤) » لحرمة الإفتاء من غير علم ، وهذا أمر مسلّم لا يمكن الاسترابة فيه ، ولكن لا يلزم من وجوب الاحتياط في الإفتاء وجوب الاحتياط في العمل ، ولا دلالة في الرواية على الثاني أصلا.
وثالثا : بأنّها بقرينة قوله عليهالسلام : « حتّى تسألوا » ظاهرة في صورة إمكان السؤال وتحصيل العلم بحكم الواقعة ووجوب الاحتياط في هذه الصورة لا ينافي العمل بالبراءة فيما لا سبيل إلى العلم بحكم الواقعي ، لبنائه على تعذّر العلم واليأس عن الدليل ، ولذا يشترط فيه الفحص على ما ستعرفه في ذيل المسألة.
وأمّا موثّقة ابن وضّاح (٥) فلخروج موردها أيضا عن محلّ البحث ، إذ قضيّة وجوب مراعاة الوقت في الصوم والصلاة ـ كما هو مقرّر في الفقه ـ هو وجوب الاحتياط بالإمساك
__________________
(١) عوالي اللآلئ ١ : ٤٢٤ ، ح ١٠٩.
(٢) الوسائل ١٨ : ١١١ الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، ح ١.
(٣ و ٤) نفس الحديث السابق.
(٥) الوسائل ١٨ : ١٢٢ الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، ح ٣٧.