يتّفق الابتلاء بها للمخاطب على حسب عادته ، وحيث إنّ الاحتياط فيها ليس بواجب باتّفاق من الأخباريّين أيضا وجب صرف الأمر عن الوجوب. ولو سلّم عدم الظهور فيها فنقول : قوله : « خذ بالاحتياط » عقيب قوله : « سل العلماء ما جهلت » (١) ظاهر في الاحتياط مع إمكان السؤال وتحصيل العلم ، ولا كلام في وجوبه كما تقدّم.
ولو سلّم عدم الظهور أيضا نقول : إنّ قوله عليهالسلام : « في جميع امورك » عامّ يشمل جميع موارد الاحتياط ، وقد عرفت أنّها غير محصورة لا يجب الاحتياط إلاّ في أقلّ قليل منها ، فوجب حمل الأمر على الاستحباب ، أو الرجحان المطلق ، أو الإرشادي المعرّى عن الطلب ، أو غير ذلك حذرا عن تخصيص الأكثر.
وتوهّم أنّ التخصيص أرجح من المجاز حيثما دار الأمر بينهما على ما قرّر في محلّه.
يدفعه : أنّه إنّما يسلّم إذا لم يطرئه ما يوهنه ، وكونه تخصيص الأكثر من موهناته لأنّه إمّا غير جائز أو في غاية المرجوحيّة على القول بالجواز ، والمجاز أرجح منه بمراتب ، مع قوّة احتمال كون المراد من الاحتياط نظير ما يأمر به الطبيب من الاحتراز عن كلّ غير مشروع فعلا أو تركا مجامع للعلم بالحكم ، فلا يلزم تخصيص ولا مجاز.
وأمّا قوله عليهالسلام : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ». (٢)
ففيه : أنّ ارتكاب الشبهة إنّما يكون مريبا إذا لم يأذن فيه الشارع ، وقد ثبت الرخصة بما تقدّم من أدلّة البراءة من الآيات والروايات ، ولا سيّما العقل النافي للعقاب والمؤاخذة عنه ، فلا ريبة فيه لندعه إلى الاجتناب عنه ، فوجب حمل الرواية على غير ما نحن فيه ، ولعلّه الاحتياط في صورة الشكّ في المكلّف به بعد القطع بالتكليف فيما دار الأمر فيه بين المتبائنين.
وعن المحقّق أنّه أجاب عنه بأنّه خبر واحد لا يعمل بمثله في الاصول (٣) ، سلّمنا لكن إلزام المكلّف بالأثقل مظنّة ريبة ، لأنّه مشقّة لم يدلّ الشرع عليها ، فيجب اطراحها بموجب الخبر ، وضعف الوجهين واضح.
أمّا الأوّل : فلمنع كون المسألة اصوليّة بل هي فرعيّة ، أو من مبادئ المسائل الفرعيّة تذكر في الاصول لما فيه من الكلّية ، ولو سلّم فإنّما لا يعمل بخبر الواحد في اصول
__________________
(١) نفس الحديث السابق.
(٢) الوسائل ١٨ : ١٢٧ من أبواب صفات القاضي ، ح ٥٦ ، الذكرى : ١٣٨.
(٣) معارج الاصول : ١٥٧.