وتسمّى هذه المرتبة بـ «عالم الجبروت» مبالغة من الجبر.
قال الغزاليّ في كتابه المسمّى بـ «كشف الوجوه» : والجبر إمّا بمعنى الإجبار ؛ من قولهم : جبرته على الأمر جبرا ، وأجبرته : أكرهته ، أو بمعنى الاستعلاء ؛ من قولهم : نخلة جبّارة : إذا فاقت الأيدي ، والجبّار : الملك تعالى كبرياؤه ، متفرّد بالجبروت ، لأنّه يجري الأمور مجاري أحكامه ، ويجبر الخلق على مقتضيات إلزامه ، أو لأنّه يستعلي عن درك العقول.
الرابعة : مرتبة الأرواح وتسمّى بـ «عالم الملكوت» مبالغة من الملك ؛ وهو التصرّف في الأشياء بالاستعلاء. وروي أنّه خلق الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة (١).
الخامسة : مرتبة الشهادة المطلقة وتسمّى بـ «عالم الملك ، والناسوت ، والأجسام ، والعنصريّات ، والطبيعيّات» ولتفصيل هذه المراحل محلّ آخر.
والغرض من ذكرها : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله كان سائرا في المراحل الإمكانيّة إلى مرحلة الشهادة ، وكان له في كلّ منها وجود خاصّ ، فالتفاته إلى هذا الوجود ذنب ؛ لكونه التفاتا إلى غير الله بحسب الظاهر.
وبعبارة اخرى : كان له وجه إلى الحقّ ووجه إلى الخلق لكونه واسطة بينهما ، فوجهه إلى الخلق يعدّ ذنبا متقدّما ومتأخّرا على التفصيل الّذي عرفته ، ومثل هذا الذنب لا ينافي العصمة المشترطة (٢) في الأنبياء والمقرّبين ؛ بل هو في الحقيقة ليس ذنبا ؛ إذ هو ممّا لا بدّ منه في إرشاد العباد ، ونظم
__________________
(١) جاء في البحار ٦١ : ١٣٦ : إنّ الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام.
(٢) «أ» : المشروطة.