بالمغفرة لما تقدّم من ذنوب الناس وما تأخّر منها ، وكان هو المخاطب ، والمقصود : الناس ، فيغفر الكلّ ويعدهم ، وهو اللائق لعموم رحمته الّتي وسعت كلّ شيء (١) ، ولعموم مرتبة محمّد صلّى الله عليه وآله حيث بعث إلى الناس كافّة بالنصّ ولم يقل : أرسلناك إلى هذه الامّة خاصّة (٢).
أقول : والسرّ في ذلك كلّه وتوضيحه ما ذكره الغزاليّ في شرح قصيدة ابن فارض المصريّ من أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله هو المنبئ عن ذات الله وصفاته وأسمائه وأحكامه ومراداته ، والإنباء الحقيقيّ الذاتيّ الأوفى ليس إلّا للروح الأعظم الّذي بعثه الله إلى النفس الكلّيّة أوّلا ، ثمّ إلى النفوس الجزئيّة ثانيا ، لينبّئهم بلسانه العقليّ عن الذات الآخريّة ، والصفات الأزليّة ، والأسماء الإلهيّة ، والأحكام القديمة ، والمرادات الجسميّة ـ إلى أن قال ـ وكلّ نبيّ من آدم إلى محمّد صلّى الله عليه وآله مظهر من مظاهر نبوّة الروح الأعظم ، فنبوّته دائمة ونبوّة المظاهر عرضيّة ومنصرمة ، إلّا نبوّة محمّد صلّى الله عليه وآله فإنّها دائمة غير منصرمة ؛ إذ حقيقته حقيقة الروح الأعظم ، وصورته المصوّرة (٣) الّتي ظهر فيها الحقيقة بجميع أسمائها وصفاتها ، وسائر الأنبياء مظاهرها ببعض الأسماء والصفات ، تجلّت في كلّ مظهر بصفة من صفاتها ، واسم من أسمائها ، إلى أن تجلّت في المظهر المحمّديّ بذاتها وجميع صفاتها ، وختم به النبوّة ، فكان الرسول صلّى الله عليه وآله سابقا على جميع
__________________
(١) إشارة إلى الآية ١٥٦ من سورة الأعراف : (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ).
(٢) إشارة إلى الآية ٢٨ من سورة سبأ : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً).
(٣) «أ» : الصورة.