سببا ؛ كما في قوله تعالى : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (١) وقوله : «لدوا للموت وابنوا للخراب» (٢) فيكون المراد بهذا الكلام الإشارة إلى مقام فناء الوجود في صرف الوجود ، والفناء عن هذا الفناء الموجب للبقاء بالله الّذي هو آخر مراحل السالكين ، وأعلى منازل الواصلين ؛ المشار إليه بقوله عليه السلام : «العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة» (٣) لا أقول كما يقوله الملاحدة من الصوفيّة من الوحدة والاتّحاد والحلول ، وأنّ القطرة من الوجود تفنى في بحر الوجود ، ويتّحد الممكن بالواجب ، فيصير إلها واجبا وجوده بذاته أو غير (٤) ذلك من الترّهات الواهية.
بل أقول : إنّ العبد حينئذ يتخلّق بأخلاق الله ، ويتّصف من كمال القرب بصفات الله ، ويتّسم بأسماء الله ، فيصدر عنه أفعاله بإرادة الله ، فتفنى إرادته في إرادة الله ، فلا يشاء إلّا ما يشاء الله ، ولا ينظر إلّا بعين الله ، ولا يسمع إلّا بإذن الله ، ولا ينطق إلّا بلسان الله ؛ كما قال : العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى كنت سمعه ... (٥) إلى آخره.
وفي مصباح الشريعة : إنّ العارف أمين ودائع الله ، وكنز أسراره ، ومعدن نوره ، ودليل رحمته على خلقه ، ومطيّة علومه ، وميزان فضله ـ إلى أن قال ـ
__________________
(١) القصص : ٨.
(٢) إنّ لله ملكا ينادي في كلّ يوم لدوا للموت ، وابنوا للخراب. نهج البلاغة ، الكلمات القصار : ١٣٢ وكذا : الكافي ٢ : ١٣١.
(٣) مصباح الشريعة : ٧.
(٤) «م» : نحو.
(٥) الكافي ٤ : ٥٣ كتاب الإيمان والكفر ، باب من آذى المسلمين واحتقرهم.